ومحاولة للتغلب على المصاعب، ومع الاحتفاظ برباطة الجأش والثقة بحسن العاقبة.
وقد خصت الآية ثلاث حالات بالصبر لأن هذه الحالات هي أبرز الأشياء التي يظهر فيها هلع الهالعين وجزع الجازعين، كما يتميز فيها أصحاب النفوس القوية المطمئنة من غيرهم.
وجاءت كلمة «حين» في قوله: وَحِينَ الْبَأْسِ مشيرة إلى أن مزية الصبر في القتال إنما تظهر حين يلتقى الجمعان، وتدور رحى الحرب، لأن بعض الناس قد يكون قويا في بدنه، وقد يحشر نفسه في زمرة الأبطال المقاتلين، ولكنه عند ما يرى الأعناق تتساقط من حوله تخور قواه، ويلوذ بالقرار، أو يستسلم للعدو. وفي هذه الحالة تسلب عنه صفة الصابرين حين البأس.
وتحق عليه صفة الضعفاء الجبناء.
وقد جاءت أنواع الصبر في الآية على وجه الترقي من الشديد إلى الأشد، وذلك لأن الصبر على المرض أصعب من الصبر على الفقر، والصبر حين البأس أصعب من الصبر على المرض.
ثم ختمت الآية حديثها عن هؤلاء الجامعين لهذه الخصال بقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
أولئك اسم إشارة للجمع، وقد أشير به إلى من تقدم ذكرهم من الجامعين لخصال البر.
والصدق توصف به الأقوال المطابقة للواقع، وتوصف به الأعمال الواقعة على الوجه الذي يرضى الله- تعالى-.
والمتقون من الاتقاء وهو الحذر، ويطلق المتقى في كلام الشارع على الإنسان الذي صان نفسه عن كل ما يغضب الله، وامتثل لأوامره ونواهيه.
أى: أولئك الذين تقدم ذكرهم من المحرزين لخصال البر هم الصادقون في إيمانهم وفي كل أحوالهم، وأولئك هم المتقون لعذاب الله- تعالى- بسبب امتثالهم لأوامره، واجتنابهم لما نهى عنه.
واسم الإشارة أُولئِكَ جيء به لإحضارهم في أذهان المخاطبين وهم متصفون بتلك المناقب الجليلة.
وفي تكرير الإشارة زيادة تنويه بشأنهم وفضلهم. وجاء الإخبار عنهم بأنهم الصادقون المتقون، لتشيرهم بأنهم قد بلغوا بإحرازهم لتلك الخصال السابقة الغاية التي يطمح إليها أرباب البصائر المتنيرة، والنفوس المتقيمة، والقلوب السليمة، وهي مقام الصدق والتقوى الذي يرتفع بصاحبه إلى السعادة في الدنيا، والنعيم الدائم في الآخرة.
هذا وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على خمسة عشر نوعا من أنواع البر الذي يهدى إلى الحياة