ومسألة «هل في المال حق سوى الزكاة» من المسائل التي تناولها بعض العلماء بالشرح والتفصيل «١» .
وقوله: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا معطوف على قوله مَنْ آمَنَ فإنه في قوة قولك، ومن أوفوا بعهدهم، وأوثرت صيغة اسم الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاء.
الوفاء بالعهد يشمل ما عاهد المؤمنون عليه الله من الإذعان لكل ما جاء به الدين، ويشمل ما يعاهد به الناس بعضهم بعضا مما لا يحل حراما ولا يحرم حلالا.
والموفون بعهدهم هم الذين إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حلفوا بروا في أيمانهم، وإذا قالوا صدقوا في قولهم، وإذا ائتمنوا أدوا الأمانة، وقد وعدهم الله على ذلك بأجزل الثواب، وأعلى الدرجات.
وفي قوله- تعالى-: إِذا عاهَدُوا إشارة إلى أن إيفاءهم بالعهد لا يتأخر عن وقت حصول العهد.
البأساء من البؤس، وهي ما يصيب الناس في الأموال كالفقر والاحتياج. يقال: بئس يبأس بؤسا وبأسا أى اشتدت حاجته.
والضراء من الضر، وهي ما يصيبهم في أنفسهم كالأمراض والأسقام يقال: ضره وأضره وضاره وضرا، ضد نفع: والألف في البأساء والضراء للتأنيث.
وحين البأس، أى: ووقت القتال في سبيل الله لإعلاء كلمته، يقال: بؤس ببؤس بأسا فهو بئيس، أى: شجاع شديد.
وقوله: وَالصَّابِرِينَ معطوف في المعنى على مَنْ آمَنَ كقوله وَالْمُوفُونَ إلا أنه جاء منصوبا على المدح بتقدير- أخص أو أمدح- وغير سبكه عما قبله، تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته على غيره من الفضائل حتى لكأنه ليس من جنس ما سبقه من فضائل، وهذا الأسلوب يسمى عند علماء اللغة العربية بالقطع، وهو أبلغ من الإتباع. ولا ريب في أن صفة الصبر على الشدائد والآلام وحين القتال في سبيل الله، جديرة بأنه ينبه لمزيد فضلها، إذ هي أصل لكثير من المكارم كالعفاف عما في أيدى الناس، والتسليم للقضاء الذي لا مرد له، والإقدام الذي يحمى به الدين وتسلّم به النفوس والأموال والأعراض:
وليس الصبر هو الخضوع والاستكانة والاستسلام من غير مقاومة ولا عمل وإنما الصبر جهاد
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٤٤، وتفسير الآلوسى ج ٢ ص ٤٧.