هذا تنبيه إلى أن المسلمين وإن اختلفت أوطانهم ينبغي أن يكونوا في التعاطف والتعاون على متاعب الحياة كالأسرة الواحدة.
وَالسَّائِلِينَ: جمع سائل، وهو الطالب للإحسان والمعروف. ويحمل حاله على أنه في حاجة إلى المعاونة، لأن السؤال علامة الحاجة غالبا.
والرقاب: جمع رقبة وهي في الأصل العنق، وتطلق على البدن كله كما تطلق العين على الجاسوس. فصح حمل الرقاب على الأسارى والأرقاء.
وقوله: وَفِي الرِّقابِ متعلق بآتى، أى: آتى المال على حبه في تخليص الأسرى من أيدى العدو بفدائهم، وتخليص الأرقاء بشرائهم وإعتاقهم. وهذه الأصناف الستة التي ذكرت في تلك الآية الكريمة وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ.. إلخ.
ليس المقصود من ذكرها الاستيعاب والحصر، ولكنها ذكرت كأمثلة وخصت بالذكر لأنها أحوج من غيرها إلى العون والمساعدة.
والذي يراجع القرآن الكريم يجده قد عنى عناية كبرى بالفقراء والمساكين وجميع أصناف المحتاجين حتى لا تكاد سورة من سوره تخلو من الحث على الإنفاق عليهم، وبذل العون في مساعدتهم- وأيضا- هناك عشرات الأحاديث في الحض على مد يد العون إلى ذوى القرابة والمعسرين، وذلك لأن المجتمعات تحيا وتنهض بالتراحم، وتذل وتشقى بالتقاطع والتدابر بين أبنائها.
ثم ذكرت الآية ألوانا أخرى من البر تدل على قوة الإيمان وحسن الخلق فقالت: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وإقامة الصلاة أداؤها في مواقيتها مستوفية لأركانها وسننها وخشوعها على الوجه الشرعي الذي أمر الله به، والمراد بالزكاة هنا، الزكاة المفروضة على الوجه الذي فصلته السنة المطهرة. وإيتاؤها: يكون بإعطائها لمستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم ممن ذكرهم الله في قوله- تعالى-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
وفي ذكر الزكاة المفروضة بعد ذكر إيتاء المال على حبه لذوي القربى واليتامى.. إلخ دليل على أن في الأموال حقوقا لذوي الحاجات سوى الزكاة، وذلك لأنه من المعروف بين أهل العلم أن الحاجة إذا بلغت بطائفة من أبناء الأمة حد الضرورة، يجب على الأغنياء منها أن يسعوا في سدها ولو مما زاد على قدر الزكاة.
والأغنياء الذين يكتفون بدفع الزكاة، ولا يمدون يد المساعدة لسد حاجة المحتاجين، وتفريج كرب المكروبين، ودفع ضرورة البائسين، ليسوا على البر الذي يريده الله من عباده المتقين.