ولفظ «في» في قوله- تعالى-: فِي الْقَتْلى للسببية، أى: فرض عليكم القصاص بسبب القتلى. كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم «دخلت امرأة النار في هرة» أى بسببها.
وصدرت الآية بخطاب الَّذِينَ آمَنُوا، تقوية لداعية إنفاذ حكم القصاص الذي شرعه الخبير بنفوس خلقه، لأن من شأن الإيمان الصادق أن يحمل صاحبه على تنفيذ شريعة الله التي شرعها لإقامة الأمان والاطمئنان بين الناس، ولسد أبواب الفتن التي تحل عرا الألفة والمودة بينهم.
وقد وجه- سبحانه- الخطاب إلى المؤمنين كافة مع أن تنفيذ الحدود من حق الحاكم لإشعارهم بأن عليهم جانبا من التبعة إذا أهمل الحكام تنفيذ هذه العقوبات التي شرعها الله.
وإذا لم يقيموها بالطريقة التي بينتها شريعته، ولإشعارهم كذلك بأنهم مطالبون بعمل ما يساعد الحكام على تنفيذ الحدود بالعدل. وذلك بتسليم الجاني إلى المكلفين بحفظ الأمن، وأداء الشهادة عليه بالحق والعدل، وغير ذلك من وجوه المساعدة.
وقوله- تعالى-: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى بيان لمعنى المساواة في القتل المشار إليها بلفظ القصاص فالجملة تتمة لمعنى الجملة السابقة، ومفادها أنه لا يقتل في مقابل المقتول سوى قاتله، لأن قتل غير الجاني ليس بقصاص بل هو اعتداء يؤدى إلى فتنة في الأرض وفساد كبير.
وقد يفهم من مقابلة الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى أنه لا يقتل صنف بصنف آخر، وهذا الفهم غير مراد على إطلاقه، فقد جرى العمل منذ عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قتل الرجل بالمرأة.
قال القرطبي:«أجمع العلماء على قتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل»«١» .
والخلاف في قتل الحر بالعبد. فبعض العلماء يرى قتل الحر بالعبد، وبعضهم لا يرى ذلك، ولكل فريق أدلته التي يمكن الرجوع إليها في كتب الفقه.
والغرض الذي سيقت من أجله الآية الكريمة، إنما هو وجوب تنفيذ القصاص بالعدل والمساواة وإبطال ما كان شائعا في الجاهلية من أن القبيلة القوية كانت إذا قتلت منها القبيلة الضعيفة شخصا لا ترضى حتى تقتل في مقابله من الضعيفة أشخاصا. وإذا قتلت منها عبدا تقتل في مقابله حرا أو أحرارا، وإذا قتلت منها أنثى قتلت في نظيرها رجلا أو أكثر. فيترتب على