للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ان ينتشر القتل، ويشيع الفساد، وقد حكى لنا التاريخ كثيرا مما فعله الجاهليون في هذا الشأن.

قال الإمام البيضاوي عند تفسيره لهذه الآية: كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد، والذكر بالأنثى، فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت هذه الآية. وهي لا تدل على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى، كما لا تدل على عكسه، فإن المفهوم يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم» «١» .

ثم أورد- سبحانه- بعد إيجابه للقصاص العادل- حكما يفتح باب التراضي، بين القاتل وأولياء المقتول، بأن أباح لهم أن يسقطوا عنه القصاص إذا شاؤوا ويأخذوا في مقابل ذلك الدية، فقال- تعالى-: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ.

عفى: من العفو وهو الإسقاط. والعفو عن المعصية، وترك العقاب عليها. والذي عفى له هو القاتل، وأَخِيهِ الذي عفا هو ولى المقتول. والمراد بلفظ شَيْءٌ القصاص، وهو نائب فاعل عُفِيَ.

والمعنى: أن القاتل عمدا إذا أسقط عنه أخوه ولى دم القتيل القصاص، راضيا أن يأخذ منه الدية بدل القصاص، فمن الواجب على ولى الدم أن يتبع طريق العدل في أخذ الدية من القاتل بحيث لا يطالبه بأكثر من حقه، ومن الواجب كذلك على القاتل أن يدفع له الدية بالطريق الحسنى، بحيث لا يماطله ولا يبخسه حقه.

فقوله- تعالى-: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وصية منه- سبحانه- لولى الدم أن يكون رفيقا في مطالبته القاتل بدفع الدية.

وقوله: وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ وصية منه- سبحانه- للقاتل بأن يدفع الدية لولى الدم بدون تسويف أو مماطلة.

وفي هذه الوصايا تحقيق لصفاء القلوب، وشفاء لما في الصدور من آلام، وتقوية لروابط الأخوة الإنسانية بين البشر.

وبعضهم فسر العفو بالعطاء فيكون المعنى: فمن اعطى له وهو ولى المقتول من أخيه وهو القاتل شيئا وهو الدية، فعلى ولى المقتول اتباعه بالمعروف، وعلى القاتل أداء إليه بإحسان.

وسمى القرآن الكريم القاتل أخا لولى المقتول، تذكيرا بالأخوة الإنسانية والدينية، حتى يهز


(١) تفسير البيضاوي ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>