للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بالآيات: ما اقترحه المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم من قلب الصفا ذهبا، ومن إزاحة الجبال عن مكة ليزرعوا مكانها ...

والمعنى: وما كان سبب تركنا لإجابة المقترحات التي طلبها المشركون منك- أيها الرسول الكريم- إلا علمنا بأنهم سيكذبون بها إذا جاءتهم، كما كذب بأمثالها أشباههم الأولون، وفي هذه الحالة فإنهم سيستحقون مثلهم عذاب الاستئصال كما جرت بذلك سنتنا.

وقد اقتضت حكمتنا ورحمتنا- بأمتك أيها الرسول الكريم-، ألا نعذبهم عذاب الاستئصال والمحو، بل نؤخر عذاب الضالين منهم إلى يوم القيامة.

قالوا: ومن الحكم في هذا التأخير: الإظهار لمزيد شرف النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، والرعاية لشأن من سيولد من بعضهم من المؤمنين، ولمن سيؤمن من هؤلاء المقترحين، إلى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها إلا هو- سبحانه-.

قال صاحب الكشاف: استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة ...

والمراد: الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا، ومن إحياء الموتى، وغير ذلك.

وعادة الله في الأمم، أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها. ثم لم يؤمن، أن يعاجل بعذاب الاستئصال. فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم، كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، وقالوا: هذا سحر مبين، كما يقولون في غيرها. واستوجبوا العذاب المستأصل. وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة» «١» .

ثم ساق- سبحانه- مثالا للسابقين الذين أجيبوا إلى ما اقترحوه، ولكنهم لم يؤمنوا، فأخذهم عذاب الاستئصال، فقال- تعالى-: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها.

وثمود: هم قوم صالح- عليه السلام-، وخصهم بالذكر، لأنهم معروفون لأهل مكة أكثر من غيرهم، لمرورهم على ديارهم عند أسفارهم إلى بلاد الشام.

والناقة المراد بها: ناقة صالح- عليه السلام- التي طلبها قومه منه، فأخرجها الله- تعالى- لهم لتكون معجزة له، ولكنهم لم يؤمنوا به، بل عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، فأهلكهم الله- تعالى- بالصيحة التي جعلتهم في دارهم جاثمين.


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>