للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقام الفاعل مؤنثا مجازيا ولوجود الفصل بينه وبين مرفوعة.

والثاني: أنه الإيصاء المدلول عليه بقوله: «الوصية» للوالدين، أى: كتب هو، أى الإيصاء.

والثالث: أنه الجار والمجرور. وهذا يتجه على رأى الأخفش والكوفيين وعليه فيكون قوله:

عَلَيْكُمْ في محل رفع، ويكون في محل النصب على القولين الأولين وجواب كل من إِذا وإِنْ محذوف. أى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا فليوص «١» .

والباء في قوله: بِالْمَعْرُوفِ للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من الوصية.

والمراد بالمعروف هنا العدل الذي جاءت به الشريعة، بأن لا يتجاوز بالوصية الثلث، وأن لا يوصى للأغنياء ويترك الفقراء أو يوصى للقريب ويترك الأقرب مع أنه أشد فقرا ومسكنة.

وقوله: حَقًّا مصدر مؤكد للحدث الذي دل عليه كُتِبَ وعامله إما كُتِبَ أو فعل محذوف تقديره حق أى: حق ذلك حقا.

وقوله: عَلَى الْمُتَّقِينَ صفة له. أى حقا كائنا على المتقين.

وخص هذا الحق بالمتقين ترغيبا في الرضا به، لأن ما كان من شأن المتقى فهو أمر نفيس جدير أن يتأسى به الناس، ومن أهمله فقد حرم من الدخول في زمرتهم، وخسر بذلك خسارة عظيمة.

قال بعض العلماء: وقد وردت هذه الآية في الوصية للوالدين والأقربين، والمعروف عند الأمة منذ عهد السلف أن الوصية لا تصح لوارث، والوالدان لهما نصيب مفروض في المواريث ومقتضاه عدم صحة الوصية لهما؟

ويزيح هذا الأشكال من طريق التفسير أن فريقا من أهل العلم وهم جمهور المفسرين ذهبوا إلى أن الآية قد نسخ منها حكم الوصية للوارث. وإيضاح وجه النسخ أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصية فقامت مقامها في الوصية للوارث ودل على هذا المعنى صراحة الحديث الشريف وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» .

وهذا الحديث وإن لم يبلغ مبلغ الحديث المتواتر الذي يصح نسخه للقرآن بنفسه، فقد امتاز عن بقية أخبار الآحاد بأن الأمة تلقته بالقبول، وأخذوا في العمل به من غير مخالف، فأخذ بهذا قوة الحديث المتواتر في الرواية واعتمدوا عليه في بيان أن آية المواريث قامت بتقدير الأنصباء في الميراث مقام آية إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ في الوصية للوارث. وروى البخاري في صحيحه


(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>