عن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
ومن أهل العلم من لم يستطيعوا أن يهملوا حديث «لا وصية لوارث» لاستفاضته بين الأمة وتلقيهم له بالقبول، فقرروا العمل به وأبطلوا الوصية لوارث ولكنهم ذهبوا مع هذا إلى أن آية الوصية للوالدين محكمة غير منسوخة وتأولوها على وجوه منها أن المراد من قوله: لِلْوالِدَيْنِ الوالدان اللذان لا يرثان لمانع من الإرث كالكفر والاسترقاق، وقد كانوا حديثي عهد بالإسلام يسلّم الرجل ولا يسلّم أبواه وقد أوصى الله بالإحسان إليهما» «١» .
ثم توعد- سبحانه- من يبدل الوصية بطريقة لم يأذن بها الله فقال- تعالى-: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.
بدله: غيره. وتغيير الوصية يتأتى بالزيادة في الموصى به أو النقص منه أو كتمانه، أو غير ذلك من وجوه التغيير للموصى به بعد وفاة الموصى.
سمعه: أى علمه وتحققه، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله. والضمائر البارزة في «بدله وسمعه وإثمه ويبدلونه» عائدة على القول أو على الكلام الذي يقوله الموصى والذي دل عليه لفظ الوصية أو على الإيصاء المفهوم من الوصية، وهو الإيصاء أو القول الواقع على الوجه الذي شرعه الله.
والمعنى: فمن غير الإيصاء الذي أوصى به المتوفى عن وجهه، بعد ما علمه وتحققه منه، فإنما إثم ذلك التغيير في الإيصاء يقع على عاتق هذا المبدل، لأنه بهذا التبديل قد خان الأمانة، وخالف شريعة الله، ولن يلحق الموصى شيئا من الإثم لأنه قد أدى ما عليه بفعله للوصية كما يريدها الله- تعالى-.
وقد ختمت الآية بقوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ للإشعار بالوعيد الشديد الذي توعد الله به كل من غير وبدل هذا الحق عن وجهه، لأن الله- تعالى- لا يخفى عليه شيء من حيل الناس الباطلة، فهو- سبحانه سميع لوصية الموصى، عليم بما يقع فيها من تبديل وتحريف.
ثم استثنى- سبحانه- حالة يجوز فيها التغيير فقال، «فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه» .
(١) تفسير القرآن الكريم لفضيلة استأذنا المرحوم الشيخ محمد الخضر حسين. مجلة لواء الإسلام السنة الرابعة: العدد العاشر.