خاف: من الخوف، وهو في الأصل حالة تعترى النفس عند الانقباض من شر يتوقع حصوله على سبيل الظن أو على سبيل العلم.
والجنف: الميل والجور. يقال: جنف في وصيته وأجنف، مال وجار، فهو جنف وأجنف.
وقيل: أجنف مختص بالوصية وجنف في مطلق الميل عن الحق. ويقال: جنف وجنف عن طريقه جنفا وجنوفا.
والإثم: العمل الذي يبغضه الله. يقال: أثم فهو آثم وأثيم.
قال بعضهم: والمراد بالجنف هنا: الميل عن الحق في الوصية خطأ، بقرينة مقابلته بالإثم وهو الميل عن الحق فيها عمدا.
هذا، ويرى جمهور العلماء أن هذه الآية الكريمة واردة في الوصي يرى أن الموصى قد حاد في وصيته عن حدود العدل، فللوصي حينئذ أن يصلح فيها بحيث يجعلها متفقة مع ما شرعه الله، وهو في هذه الحالة لا إثم عليه لأنه قد غير الباطل بالحق وعلى هذا الرأى يكون المعنى: أن الوصي إذا رأى في الوصية ميلا عن الحق خطأ أو عمدا وأصلح بين الموصى لهم يردهم إلى الوجه المشروع فلا إثم عليه في التغيير في الوصية. والضمير في قوله: بَيْنَهُمْ عائد على الموصى لهم.
ويرى آخرون أن هذه الآية واردة في شأن كل من يبغى الإصلاح من الناس، بأن يرى الموصى يوصى، فظهر له- أى هذا المصلح- أن الموصى قد جانب العدل والصواب في وصيته، فيأخذ في الإصلاح، بأن يرشده بأن فعله هذا لا يتفق مع شريعة العدل التي أمر بها الله، ويحاول قدر استطاعته أن يزيل ما حدث من خلاف بين الموصى والموصى لهم.
وعلى هذا الرأى يكون المعنى: إن خرج الموصى في وصيته عن حدود العدالة، ورأى أمارات ذلك منه من يريد الإصلاح من الناس، وتوقع أن شرا سيترتب على هذه الوصية التي فيها جور، أو شاهد نزاعا بين الموصى لهم بسبب ذلك، فلا إثم على هذا المصلح في أن يصلح بين الموصى والموصى لهم، وأن يرشد الموصى إلى سلوك طريق العدل والحق. وعليه فيكون الضمير في قوله: بَيْنَهُمْ يعود على الموصى والموصى لهم.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن سياق الآية يؤيده، إذ هي بمنزلة الاستثناء من قوله- تعالى-: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ.. وهذا إنما يكون بعد موت الموصى لا في حياته.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل أتى به- سبحانه- للوعد بالثواب للمصلح على إصلاحه، فإن من يغفر الذنوب ويرحم المذنبين تكون مغفرته ورحمته أقرب إلى من يقصد بعمله الإصلاح ولو اعتمد على ظن غالب أو أخطأ وجه الصواب فيما أتى من أعمال.