للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا: أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة. ثم بين خامسا: إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون. فهو- سبحانه- راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة فله الحمد على نعمه كثيرا» «١» .

هذا، وقد نص الفقهاء على أن الإفطار مشروع على سبيل الرخصة للمريض والمسافر، وهما بالخيار في ذلك إن شاءا أفطرا وإن شاءا صاما، إلا أن أكثر الفقهاء قالوا: الصوم أفضل لمن قوى عليه.

والذي نراه أن الله- تعالى- قد أباح الفطر في رمضان بسبب المرض أو السفر، لأن كلا منهما مظنة المشقة والحرج. والحكم الشرعي يوجد حيث توجد مظنته وينتفى حيث تنتفى.

وعلى المسلّم أن يقدر حال نفسه، فإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره ليس في الصوم معه مشقة أو عسر صام عملا بقوله- تعالى-: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ. وإذا أيقن أو غلب على ظنه أن مرضه أو سفره يجعل الصوم شاقا عليه أفطر عملا بقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ فالمسألة ترجع إلى ضمير الفرد ودينه واستفتاء قلبه.

والثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه صام في السفر وأفطر، وخير بعض أصحابه بين الصوم والفطر. فقد روى البخاري ومسلّم عن أبى الدرداء- رضي الله عنه- قال: خرجنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم «وفي إحدى روايتي مسلّم- في شهر رمضان-، في يوم حار، حتى ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلّى الله عليه وسلّم وابن رواحه» .

وروى الإمام مسلّم في صحيحه عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري فسألته عن الصوم في السفر فقال: سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة. فمنا من صام ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا. وكانت عزمة فأفطرنا. ثم قال: ولقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك في السفر.

وروى الشيخان عن أنس بن مالك قال: كنا نسافر مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وهناك مسألة أخرى تعرض لها الفقهاء بالحديث وهي مسألة قضاء الأيام التي أفطرها


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>