للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإبراهيم- عليه السلام- هو من أولى العزم من الرسل، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي وصفه الله- تعالى- بجملة من الصفات الكريمة، منها قوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ «١» .

أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس في هذا القرآن قصة أبيهم إبراهيم- عليه السلام-، لكي يعتبروا ويتعظوا ويقتدوا بهذا النبي الكريم في قوة إيمانه، وصفاء يقينه وجميل أخلاقه.

وقوله: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر في قوله:

وَاذْكُرْ.

والصديق: صيغة مبالغة من الصدق. أى: إنه كان ملازما للصدق في كل أقواله وأفعاله وأحواله، كما كان نبيا من أولى العزم، الذين فضلهم الله على غيرهم من الرسل الكرام.

ثم بين- سبحانه- مظاهر صدقه وإخلاصه لدعوة الحق فقال: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً.

والظرف إِذْ

بدل اشتمال من إِبْراهِيمَ وجملة إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا معترضة بين البدل والمبدل منه لتعظيم شأنه- عليه السلام-.

والتاء في قوله يا أَبَتِ

عوض عن ياء المتكلم، إذ الأصل با أبى، وناداه بهذا الوصف دون أن يذكر اسمه: زيادة في احترامه واستمالة قلبه للحق.

أى: واذكر خبر إبراهيم وقت أن قال لأبيه آزر مستعطفا إياه: يا أبت لماذا تعبد شيئا لا يسمع من يناديه. ولا يبصر من يقف أمامه، ولا يغنى عنك شيئا من الإغناء، لأنه لا يملك لنفسه- فضلا عن غيره- نفعا ولا ضرا.

ثم دعاه إلى اتباع الحق بألطف أسلوب فقال: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ النافع الذي علمني الله- تعالى- إياه ما لَمْ يَأْتِكَ أنت، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فَاتَّبِعْنِي فيما أدعوك إليه أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أى: أهدك إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اضطراب.

ثم نهاه عن عبادة الشيطان، لأنها جهل وانحطاط في التفكير فقال: يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ فإن عبادتك لهذه الأصنام هي عبادة وطاعة للشيطان الذي هو عدو للإنسان.

ثم علل له هذا النهى بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أى: إن الشيطان


(١) سورة هود الآية ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>