للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى والمآرب: جمع مأربة- بتثليث الراء- بمعنى حاجة. تقول:

لا أرب لي في هذا الشيء، أى: لا حاجة لي فيه.

أى: ولي في هذه العصا حاجات أخرى، ومنافع غير التي ذكرتها.

وقد كان يكفى موسى- عليه السلام- في الجواب أن يقول: هي عصاي، ولكنه أضاف إلى ذلك أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي.. لأن المقام يستدعى البسط والإطالة في الكلام، إذ هو مقام حديث العبد مع خالقه، والحبيب مع حبيبه.

وأجمل في قوله: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى إما حياء من الله- تعالى- لطول الكلام في الجواب، وإما رجاء أن يسأل عن هذه المآرب المجملة، فيجيب عنها بالتفصيل تلذذا في الخطاب.

قال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل، لأنه لما قال:

وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ذكر معاني أربعة وهي: إضافة العصا إليه، وكان حقه أن يقول عصا، والتوكؤ، والهش، والمآرب المطلقة. فذكر موسى من منافع عصاه معظمها.

وفي الحديث: سئل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ماء البحر فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» «١» .

وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره لقوله وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى: وقد تكلف بعضهم لذكر شيء من تلك المآرب التي أبهمت، فقيل: كانت تضيء له بالليل، وتحرس له الغنم إذا نام، ويغرسها فتصير شجرة تظلله، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة.

والظاهر أنها لم تكن كذلك، ولو كانت كذلك لما استنكر موسى صيرورتها ثعبانا، ولما فر منها هاربا، ولكن كل ذلك من الأخبار الإسرائيلية «٢» .

وقوله- سبحانه-: قالَ أَلْقِها يا مُوسى جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال الله- تعالى- لموسى بعد ذلك؟.

فكان الجواب: قال- سبحانه- لموسى: اطرح يا موسى هذه العصا التي بيمينك لترى ما يكون بعد ذلك. فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى.

أى: فامتثل موسى أمر ربه، فألقاها على الأرض، ونظر إليها فإذا هي قد تحولت بقدرة الله- تعالى- إلى «حية» - أى ثعبان عظيم- «تسعى» ، أى: تمشى على الأرض


(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ١٨٦ وقد تعرض لمنافع العصا فليرجع إليها من شاء.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>