الإخلاص، واستحضار جلال الله في الركوع والسجود، وهي التي تترتب عليها الآثار العظيمة من تزكية النفس، وعفافها، وتركها لكل الشرور والآثام، كما قال- تعالى-: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ.
وقدم الإيمان بالغيب على إقامة الصلاة تعظيما لعمل القلب، واعتدادا بشرطية الإيمان في صحة أعمال الجوارح.
وقدم إقامة الصلاة على الإنفاق، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولأنها تتكرر في اليوم خمس مرات، ولأنها صلة بين العبد وربه، والإنفاق صلته بالناس، ولأن مشروعيتها كانت سابقة على مشروعية الزكاة.
أما الصفة الثالثة التي مدح الله بها المتقين فهي قوله- تعالى-:
وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
أى: ومما أعطيناهم وملكناهم يتصدقون في وجوه الخير، ويمدون أيديهم بالإحسان إلى الفقير والمسكين.
والرزق عند جمهور العلماء ما صلح للانتفاع به حلالا كان أو حراما، خلافا للمعتزلة الذين يرون أن الحرام ليس برزق. والإنفاق: إخراج المال وإنفاده وصرفه، يقال: نفق- كفرح ونصر- نفد وفنى أو قلّ. وأنفق ماله أنفده، وأصل المادة يدل على الخروج والذهاب، ومنه:
نافق فلان، والنافقاء، والنفق. وقال «ينفقون» ولم يقل أنفقوا، ليشعر بأن الإنفاق منهم يتجدد بين وقت وآخر. ولم يحدد وجوه الانفاق بل تركها مطلقة لتشمل الفرض والواجب وغيرهما من وجوه الإحسان.
وإيراد «من» في قوله تعالى- وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ للإشارة إلى أن مواظبتهم على إنفاق أموالهم بين الحين والحين، كفيل بتوصيلهم إلى زمرة المهتدين المفلحين، وللإشعار بأنهم ينفقون بعض أموالهم مبتعدين عن الإسراف والتبذير حتى لا يتركوا ورثتهم عالة يتكففون وجوه الناس.
هذا، وقد عنى القرآن الكريم عناية فائقة بالحض على الإنفاق في وجوه الخير، ومدح الذين يفعلون ذلك مدحا عظيما في عشرات الآيات، وذلك لأن الأمة التي يكثر فيها المنفقون لأموالهم في وجوه الخير، لا بد أن تعز كلمتها، وتسلّم من كوارث شتى، كالجهل، والفقر، والمرض.
فببذل المال تسد حاجات البؤساء، وتشاد معاهد التعليم، وتقام وسائل حفظ الصحة، وتنمو المحبة والمودة بين الأغنياء والفقراء.