للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.

ثم أضاف القرآن إلى صفات المتقين وصفا رابعا فقال:

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.

والمراد بقوله- تعالى- بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ القرآن الكريم، وإنما عبر عنه بلفظ الماضي- وإن كان بعضه مترقبا- تغليبا للموجود على ما لم يوجد.

والمراد بقوله- تعالى- وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، الكتب الإلهية السابقة التي أنزلها الله على أنبيائه كموسى وعيسى وداود. وهذا كقوله- تعالى-:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ «١» .

والإيمان بما أنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم يستلزم الإيمان برسالته، ويستوجب العمل بما تضمنته شريعته.

وإيجاب العمل بما تضمنه القرآن الذي أنزله الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم باق على إطلاقه. أما الكتب السماوية السابقة فيكفى الإيمان بأنها كانت وحيا وهداية، وقد تضمن القرآن الكريم ما اشتملت عليه هذه الكتب من هدايات وأصبح بنزوله مهيمنا عليها، قال- تعالى-:

وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ.

وصار من المحتم على كل عاقل أن يعمل بما جاء به القرآن من توجيهات.

وقدم الإيمان بما أنزل عليه على الإيمان بما أنزل على الذين من قبله- مع أن الترتيب يقتضى العكس- لأن إيمانهم بمن قبله لا قيمة له إلا إذا آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم:

ولم يقل: ويؤمنون بما أنزل من قبلك بتكرير يؤمنون، للإشعار بأن الإيمان به وبهم واحد، لا تغاير فيه وإن تعدد متعلقه.

ويرى بعض العلماء أن المراد من الآية الكريمة، أهل الكتاب الذين آمنوا بالكتب السماوية التي نزلت قبل القرآن، نم لما نزل القرآن على النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وعرفوا أنه الحق- آمنوا به أيضا-، فصار لهم أجران، كما جاء في الحديث الشريف، الذي ثبت في الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين يوم القيامة: رجل من


(١) سورة النساء الآية ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>