أى: فاجعل لهم طريقا في البحر يابسا، فالضرب هنا بمعنى الجعل كما في قولهم: ضرب له في ماله سهما. إذا جعل له سهما.
والمراد بالطريق جنسه فإن الطرق التي حدثت بعد أن ضرب موسى بعصاه البحر. كانت اثنى عشر طريقا بعدد أسباط بنى إسرائيل.
وعبر- سبحانه- عن بنى إسرائيل الذين خرجوا مع موسى بعنوان العبودية لله- تعالى- للإشعار بعطفه- عز وجل- عليهم ورحمته بهم، وللتنبيه على طغيان فرعون حيث استعبد واستذل عبادا للخالق- سبحانه- وجعلهم عبيدا له..
قال الجمل: «وقوله يَبَساً صفة لقوله طَرِيقاً وصف به لما يؤول إليه، لأنه لم يكن يبسا بعد. وإنما مرت عليه الصبا فجففته. وقيل: هو في الأصل مصدر وصف به للمبالغة، أو على حذف مضاف، أو جمع يابس كخادم وخدم وصف به الواحد مبالغة» «١» .
وقوله- سبحانه-: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى تذييل قصد به تثبيت فؤاد موسى- عليه السلام- وإدخال الطمأنينة على قلبه.
والدرك: اسم مصدر بمعنى الإدراك. والجملة في محل نصب على الحال من فاعل «اضرب» .
أى: اضرب لهم طريقا في البحر يابسا، حالة كونك غير خائف من أن يدركك فرعون وجنوده من الخلف، وغير وجل من أن يغرقكم البحر من أمامكم.
فالآية الكريمة قد اشتملت على كل ما من شأنه أن يغرس الأمان والاطمئنان في قلب موسى ومن معه.
ثم بين- سبحانه- موقف فرعون بعد أن علم بأن موسى قد خرج بقومه من مصر فقال- تعالى-: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ.
أى: وبعد أن علم فرعون بخروج موسى وبنى إسرائيل من مصر، جمع جنوده وأسرع في طلب موسى ومن معه، فكانت نتيجة ذلك، أن أغرق الله- تعالى- فرعون وجنوده في البحر. وأهلكهم عن آخرهم ...
والتعبير بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ يدل على تعظيم ما غشيهم وتهويله، أى: فعلاهم وغمرهم من ماء البحر ما لا يعلم كنهه إلا الله- تعالى- بحيث صاروا جميعا في طيات أمواجه.
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٠٣.