للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظيره قوله- تعالى-: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى وقوله: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى.

قال صاحب الكشاف: قوله- تعالى-: ما غَشِيَهُمْ من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة. أى: غشيهم مالا يعلم كنهه إلا الله- تعالى- وقرئ فغشاهم من اليم ما غشاهم، والتغشية: التغطية ... «١» .

وقوله- سبحانه-: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى بيان لحال فرعون قبل أن يهلكه الله- تعالى- بالغرق.

أى: وأضل فرعون في حياته قومه عن طريق الحق، وما هداهم إليها وإنما هداهم إلى طريق الغي والباطل، فكانت عاقبتهم جميعا الاستئصال والدمار.

وما اشتملت عليه الآيتان من إجمال بالنسبة لتلك الأحداث، قد جاء مفصلا في آيات أخرى ومن ذلك قوله- تعالى- في سورة الشعراء: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ. إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ. فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ. فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ. فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ «٢» .

ثم ذكر- سبحانه- بنى إسرائيل بنعمه عليهم فقال: يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون وجنده، بأن أغرقناهم أمام أعينكم وأنتم تنظرون إليهم، بعد أن كانوا يسومونكم سوء العذاب.

وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ أى: وواعدنا نبيكم موسى في هذا المكان لإعطائه التوراة لهدايتكم وإصلاح شأنكم، وهذا الوعد هو المشار إليه بقوله- تعالى-:

وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

قال صاحب الكشاف: ذكرهم النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم، وفيما واعد موسى من المناجاة بجانب الطور، وكتب التوراة في الألواح. وإنما عدى المواعدة إليهم لأنها لا بستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم، وإليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم


(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٧٨.
(٢) الآيات ٥٢- ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>