للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.. «١» .

ومن المفسرين من يرى أن المقصود بقوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ أى: من قبل موسى وهارون، فقد كان الحديث عنهما قبل ذلك بقليل في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ...

فيكون المعنى: ولقد آتينا إبراهيم رشده وهداه، ووفقناه للنظر والاستدلال على الحق، من قبل موسى وهارون، لأنه يسبقهما في الزمان.

وقد رجح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ» .

أى: الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار، وهو الرشد الكامل، أعنى: الاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا.. «من قبل» أى: من قبل موسى وهارون، وقيل: من قبل البلوغ ... والأول مروى عن ابن عباس وابن عمر، وهو الوجه الأوفق لفظا ومعنى، أما لفظا فللقرب، وأما معنى فلأن ذكر الأنبياء- عليهم السلام- للتأسى، وكان القياس أن يذكر نوح ثم إبراهيم ثم موسى، لكن روعي في ذلك ترشيح التسلي والتأسى، فقد ذكر موسى، لأن حاله وما قاساه من قومه.. أشبه بحال نبينا صلّى الله عليه وسلّم «٢» .

ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للمعنيين. أى: أن الله- تعالى- قد أعطى إبراهيم رشده، من قبل النبوة، ومن قبل موسى وهارون لسبقه لهما في الزمان.

وقوله: وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ بيان لكمال علم الله- تعالى- أى: وكنا به وبأحواله وبسائر شئونه عالمين، بحيث لا يخفى علينا شيء من أحواله أو من أحوال غيره.

وقوله: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ بيان لما جابه به إبراهيم أباه وقومه من قول سديد يدل على شجاعته ورشده.

أى: وكنا به عالمين. وقت أن قال لأبيه وقومه على سبيل الإرشاد والتنبيه: ما هذه التماثيل الباطلة التي أقبلتم عليها، وصرتم ملازمين لعبادتها بدون انقطاع.

وسؤاله- عليه السلام- لهم بما التي هي لبيان الحقيقة، من باب تجاهل العارف، لأنه يعلم أن هذه الأصنام مصنوعة من الأحجار أو ما يشبهها، وإنما أراد بسؤاله تنبيههم إلى فساد فعلهم. حيث عبدوا ما يصنعونه بأيديهم.

وعبر عن الأصنام بالتماثيل، زيادة في التحقير من أمرها، والتوهين من شأنها، فإن


(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٤١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>