التمثال هو الشيء المصنوع من الأحجار أو الحديد أو نحو ذلك، على هيئة مخلوق من مخلوقات الله- تعالى- كالإنسان والحيوان، يقال: مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به.
فهو- عليه السلام- سماها باسمها الحقيقي الذي تستحقه، دون أن يجاريهم في تسميتها آلهة.
وقوله: عاكِفُونَ من العكوف بمعنى المداومة والملازمة. يقال: عكف فلان على الشيء إذا لازمه وواظب عليه، ومنه الاعتكاف لأنه حبس النفس عن التصرفات العادية.
وفي التعبير عن عبادتهم لها بالعكوف عليها، تفظيع لفعلهم وتنفير لهم منه، حيث انكبوا على تعظيم من لا يستحق التعظيم، وتعلقوا بعبادة تماثيل هم صنعوها بأيديهم.
وقوله- سبحانه-: قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ حكاية لما قالوه في ردهم على إبراهيم- عليه السلام- وهو رد يدل على تحجر عقولهم، وانطماس بصائرهم حيث قلدوا فعل آبائهم بدون تدبر أو تفكر.
أى: قالوا في جوابهم على إبراهيم- عليه السلام- وجدنا آباءنا يعبدون هذه التماثيل فسرنا على طريقتهم.
وهنا يرد عليهم إبراهيم بقوله: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أى: لقد كنتم أنتم وآباؤكم الذين وجدتموهم يعبدون هذه الأصنام، في ضلال عجيب لا يقادر قدره، وفي فساد ظاهر واضح لا يخفى أمره على عاقل، لأن كل عاقل يعلم أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة أو التقديس أو العكوف عليها، والباطل لا يصير حقا بفعل الآباء له.
وعند ما واجههم إبراهيم- عليه السلام- بهذا الحكم البين الصريح، قالوا له: أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ.
أى: أجئتنا يا إبراهيم بالحق الذي يجب علينا اتباعه، أم أنت من اللاعبين اللاهين الذين يقولون ما يقولون بقصد الهزل والملاعبة.
وسؤالهم هذا يدل على تزعزع عقيدتهم. وشكهم فيما هم عليه من باطل، إلا أن التقليد لآبائهم. جعلهم يعطلون عقولهم «ويستحبون العمى على الهدى» .
ويجوز أن يكون سؤالهم هذا من باب الإنكار عليه. واستبعاد أن يكون آباؤهم على باطل، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «بقوا متعجبين من تضليله إياهم، وحسبوا أن ما قاله، إنما قاله على وجه المزاح والمداعبة، لا على طريق الجد، فقالوا له: هذا الذي جئتنا