للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعقاب يوم القيامة، وأثبتت أن الرجوع يوم القيامة للحساب مؤكد.

قال صاحب فتح القدير: قوله وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها.. قرأ أهل المدينة «وحرام» ، وقرأ أهل الكوفة «وحرم» - بكسر الحاء وإسكان الراء- وهما لغتان مثل:

حلال وحل.

ومعنى أَهْلَكْناها: قدرنا إهلاكها. وجملة أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ في محل رفع مبتدأ، وقوله: «حرام» خبرها.. والمعنى: وممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء.. «١» .

وقال بعض العلماء: وجعل أبو مسلم هذه الآية من تتمة ما قبلها و «لا» فيها على بابها. وهي مع لفظ «حرام» من قبيل نفى النفي. فيدل على الإثبات، والمعنى: وحرام على القرية المهلكة. عدم رجوعها إلى الآخرة، بل واجب رجوعها للجزاء، فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث. وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعى أحد وأنه- سبحانه- سيحييه وبعمله يجزيه، «٢» .

ومنهم من يرى أن «لا» زائدة، وأن المراد بالرجوع رجوع الهالكين إلى الدنيا فيكون المعنى: وحرام على أهل قرية أهلكناهم بسبب كفرهم ومعاصيهم، أن يرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى بعد هلاكهم.

ومنهم من يرى أن المراد بقوله- تعالى- أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ أى: لا يرجعون إلى التوبة أو إلى الإيمان.

قال صاحب الكشاف: استعير الحرام للممتنع وجوده، ومنه قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ «٣» أى. منعهما منهم.. ومعنى الرجوع: الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة، ومجاز الآية: إن قوما عزم الله- تعالى- على إهلاكهم غير متصور أن يرجعوا وينيبوا إلى أن تقوم القيامة.. «٤» .

ويبدو لنا أن القول الأول هو أقرب إلى الصواب، لأنه هو المتبادر من ظاهر الآية، ولأنه هو المستقيم مع سياق الآيات، ولأنه بعيد عن التكلف إذ أن الآية الكريمة واضحة في بيان أن حكمة الله قد اقتضت أن يرجع المهلكون في الدنيا بسبب كفرهم ومعاصيهم إلى الحياة يوم القيامة ليحاسبوا على أعمالهم كما قال- تعالى-: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ «٥» .


(١) تفسير فتح القدير ج ٣ ص ٤٢٦ للشوكانى.
(٢) تفسير القاسمى ج ١٧ ص ٤٣٠٩.
(٣) سورة الأعراف الآية ٥٠.
(٤) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٣٤.
(٥) سورة الواقعة الآيتان ٤٩، ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>