ولعل مما يؤيد هذا الرأى قوله- تعالى- بعد ذلك: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ...
فإن حتى هنا ابتدائية، وما بعدها غاية لما يدل عليه ما قبلها، فكأنه قيل: إن هؤلاء المهلكين ممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا وإنما هم سيستمرون على هلاكهم حتى تقوم الساعة فيرجعوا إلينا للحساب، ويقولوا عند مشاهدته: يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا.
ويأجوج ومأجوج اسمان أعجميان لقبيلتين من الناس، قيل: مأخوذان من الأوجة وهي الاختلاط أو شدة الحر، وقيل من الأوج وهو سرعة الجري.
والمراد بفتحهما: فتح السد الذي على هاتين القبيلتين، والذي يحول بينهم وبين الاختلاط بغيرهم من بقية الناس.
وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ والحدب: المرتفع من الأرض كالجبل ونحوه.
ويَنْسِلُونَ من النسل- بإسكان السين-، وهو مقاربة الخطو مع الإسراع في السير، يقال: نسل الرجل في مشيته إذا أسرع، وفعله من باب قعد وضرب.
أى: وهم- أى يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون السير إلى المحشر، أو إلى الأماكن التي يوجههم الله- تعالى- إليها، وقيل إن الضمير «هم» يعود إلى الناس المسوقين إلى أرض المحشر.
وقوله: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ.. معطوف على فُتِحَتْ أى: فتح السد الذي كان على يأجوج ومأجوج، وقرب موعد الحساب والجزاء.
قال الآلوسى: وهو ما بعد النفخة الثانية لا النفخة الأولى. وهذا الفتح لسد يأجوج ومأجوج يكون في زمن نزول عيسى من السماء، وبعد قتله الدجال.
فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث طويل: إن الله- تعالى- يوحى إلى عيسى بعد أن يقتل الدجال: أنى قد أخرجت عبادا من عبادي، لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله- تعالى- يأجوج ومأجوج وهم كما قال- سبحانه- مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ثم يرسل الله عليهم نغفا- في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة» «١» .
وقوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا.. جواب للشرط وهو قوله: تعالى- قبل ذلك إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٩٢.