للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض العلماء فصل في هذه المسألة فقال: إن كان القادم يرى أحدا من أهل البيت، سلم أولا ثم استأذن في الدخول، وإن كان لا يرى أحدا منهم قدم الاستئذان على السلام.

وهذا الرأى وجاهته ظاهرة، لأن فيه جمعا بين الأدلة.

٣- لا صحة لما ذكره بعضهم من أن أصل الآية «حتى تستأذنوا» ، وأن الكاتبين أخطئوا في كتابتهم فكتبوا «حتى تستأنسوا» ، وذلك لأن جميع الصحابة أجمعوا على كتابة «حتى تستأنسوا» في جميع نسخ المصحف العثماني، وعلى تلاوة الآية بلفظ «تستأنسوا» ومضى على ذلك إجماع المسلمين في كل مكان، سواء في كتابتهم للمصحف أم في قراءتهم له.

قال القرطبي: إن مصاحف الإسلام كلها، قد ثبت فيها «حتى تستأنسوا» وصح الإجماع فيها من لدن عثمان، فهي لا تجوز مخالفتها. وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح.. وقد قال الله- تعالى- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ «١» وقال- سبحانه- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «٢» . سورة الحجر الآية ٩.

٤- ظاهر قوله- تعالى-: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا.. أن الاستئذان غير مقيد بعدد، إلا أن السنة الصحيحة قد بينت أن الاستئذان يكون ثلاث مرات فإن لم يؤذن له بعدها انصرف.

ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما رواه البخاري عن أبى سعيد الخدري قال:

كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى- كأنه مذعور- فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال: ما منعك- أى من الدخول-؟ قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع.

فقال لي: لتأتين بالبينة. فهل منكم أحد سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك؟ فقام معه أبى بن كعب، فأخبر عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك.

قال بعض العلماء: «والراجح أن الواجب إنما هو الاستئذان مرة. فأما كمال العدد ثلاثا فهو حق المستأذن إن شاء أكمله، وإن شاء اقتصر على مرة أو مرتين. فقد ثبت أن عمر بن الخطاب استأذن على النبي صلّى الله عليه وسلّم مرتين، فلم يؤذن له فرجع، فتبعه غلام فقال له: ادخل فقد أذن لك النبي صلّى الله عليه وسلّم «٣» .

٥- ظاهر قوله- تعالى- لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا يفيد أنهم


(١) سورة فصلت الآية ٤٢.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢١٤.
(٣) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٣ ص ١٤٩ لفضيلة الشيخ محمد على السائس- رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>