بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وبيت المقدس، وهي على ظهر الطريق، وليس فيها ساكن من أربابها، فنزلت هذه الآية.
والمراد بالمتاع: التمتع والانتفاع بها.
أى: ليس عليكم- أيها المؤمنون- حرج أو إثم في أن تدخلوا بغير استئذان بيوتا غير معدة لسكنى طائفة معينة من الناس، بل هي معدة لينتفع بها من يحتاج إليها من دون أن يتخذها مسكنا له، كالرباطات، والفنادق، والحوانيت، والحمامات، وغير ذلك من الأماكن المعدة للراحة المؤقتة لا للسكن والإقامة.
وقوله: فِيها مَتاعٌ لَكُمْ أى: فيها حق تمتع وانتفاع لكم، كالوقاية من الحر والبرد.
وكتبادل المنافع فيما بينكم بالبيع أو الشراء، وغير ذلك مما يتناسب مع وظيفة هذه البيوت غير المسكونة.
وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ وعيد وتحذير آخر لأولئك الذين يدخلون البيوت ولا يرعون حرمتها، بل يبيحون لعيونهم ولجوارحهم، ما لم تبحه آداب الإسلام، وتعاليمه، كالتطلع إلى العورات. وما يشبه ذلك من المقاصد السيئة.
أى: والله- تعالى- وحده يعلم ما تظهرونه وما تخفونه من أقوال وأعمال، وسيحاسبكم عليها، فاحذروا أن تسلكوا مسلكا لا يرضى خالقكم عنكم.
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:
١- أن على كل إنسان- سواء أكان رجلا أم امرأة- أن يستأذن ويسلم قبل الدخول على غيره في بيته، لأن الله- تعالى- يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ... فهذا نهى صريح عن الدخول بدون استئذان.
إلا أن جمهور الفقهاء يرون أن الطلب في الاستئناس على سبيل الوجوب وفي السلام على سبيل الندب، كما هو حكم السلام في غير هذا الموطن.
٢- يرى بعض العلماء أن القادم يبدأ بالاستئذان قبل السلام، كما جاء في الآية الكريمة، ويرى كثير منهم تقديم السلام على الاستئذان، لأن الواو لا تستلزم الترتيب، ولأن هناك أحاديث متعددة، تفيد أن السلام مقدم على الاستئذان، ومنها ما أخرجه الترمذي عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «السلام قبل الكلام» «١» .
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٢٩.