للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدة الحركة وسرعتها مع عظم حجمها.

وإنما ولى موسى مدبرا عنها، لأنه لم يخطر بباله أن عصاه التي بيده، يحصل منها ما رآه بعينه، من تحولها إلى حية تسعى وتضطرب وتتحرك بسرعة كأنها جان، ومن طبيعة الإنسان أنه إذا رأى أمرا غريبا اعتراه الخوف منه، فما بالك بعصا تتحول إلى حية تسعى.

ثم بين- سبحانه- ما نادى به موسى على سبيل التثبيت وإدخال الطمأنينة على قلبه، فقال: يا مُوسى لا تَخَفْ.

أى: فلما ولى موسى ولم يعقب عند ما ألقى عصاه فانقلبت حية، ناداه ربه- تعالى- بقوله: يا مُوسى لا تَخَفْ مما رأيت أو من شيء غيرى ما دمت في حضرتى.

وجملة إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ تعليل للنهى عن الخوف، أى إنى لا يخاف عندي من اخترته لحمل رسالتي، وتبليغ دعوتي.

وقوله- سبحانه-: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ استثناء منقطع مما قبله.

أى: إنى يا موسى لا يخاف لدى المرسلون، لكن من ظلم وارتكب فعلا سيئا من عبادي، ثم تاب إلى توبة صادقة، بأن ترك الظلم إلى العدل والشر إلى الخير. والمعصية إلى الطاعة، فإنى أغفر له ما فرط منه، لأنى أنا وحدي الواسع المغفرة والرحمة.

قال ابن كثير: هذا استثناء منقطع، وفيه بشارة عظيمة للبشر، وذلك أن من كان على شيء ثم أقلع عنه وتاب وأناب، فإن الله يتوب عليه، كما قال- تعالى- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى وقال- تعالى- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

«١» وقيل: إن الاستثناء متصل، فيكون المعنى: لا يخاف لدى المرسلون، إلا من ظلم منهم بأن وقع في الصغائر التي لا يسلم منها أحد، ثم تاب منها وأقلع عنها، فإنى غفور رحيم.

قال الآلوسى: «والظاهر- هنا- انقطاع الاستثناء، والأوفق بشأن المرسلين، أن يراد بمن ظلم: من ارتكب ذنبا كبيرا أو صغيرا من غيرهم. وثُمَّ يحتمل أن تكون للتراخي الزمانى فتفيد الآية المغفرة لمن بدل على الفور من باب أولى. ويحتمل أن تكون للتراخي الرتبى، وهو ظاهر بين الظلم والتبديل ... » «٢» .


(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٩١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٩ ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>