للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: جماعة من الذين كانوا يكذبون في الدنيا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا فَهُمْ يُوزَعُونَ أى: فهم يقفون بين أيدينا، داخرين صاغرين، بحيث لا يتقدم أحد منهم على أحد، وإنما يتحركون ويساقون إلى حيث نريد منهم، ويتجمعون جميعا ليلقوا مصيرهم المحتوم.

وأفرد- سبحانه- هؤلاء المكذبين بالذكر. - مع أن الحشر يشمل الناس جميعا- لإبراز الحال السيئة التي يكونون عليها عند ما يجمعون للحساب دون أن يشذ منهم أحد، ودون أن يتحرك أولهم حتى يجتمع معه آخرهم..

ثم بين- سبحانه- أحوالهم بعد ذلك فقال: حَتَّى إِذا جاؤُ أى: حتى إذا ما وصلوا إلى موقف الحساب قال الله- تعالى- لهم على سبيل التأنيب والتوبيخ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي الدالة على وحدانيتي وعلى أن الآخرة حق. وأن الحساب حق وجملة، «ولم تحيطوا بها علما» حالية، لزيادة التشنيع عليهم. والتجهيل لهم.

أى: أكذبتم بآياتى الدالة على أن البعث حق، دون أن تتفكروا فيها، ودون أن يكون عندكم أى علم أو دليل على صحة هذا التكذيب.

ثم أضاف- سبحانه- إلى هذا التوبيخ لهم، توبيخا أشد وأعظم، فقال: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

أى: إذا لم تكونوا قد كذبتم بآياتى، فقولوا لنا ماذا كنتم تعملون، فإننا لا يخفى علينا شيء منها، ولا نعاقبكم إلا عليها.

ولا شك أن هذا التساؤل المقصود منه تأنيبهم وتقريعهم، والاستهزاء بهم، لأنه من المعروف أنهم كذبوا بآيات الله، وأنهم قد قضوا حياتهم في الكفر والضلال، ولذا وقفوا واجمين لا يحيرون جوابا، فكانت النتيجة كما قال- تعالى- بعد ذلك: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ. أى: وحل العذاب عليهم بسبب ظلمهم وجحودهم، فاستقبلوه باستسلام وذلة، دون أن يستطيعوا النطق بكلمة تنفعهم. أو بحجة يدافعون بها عن أنفسهم..

فالمقصود بوقوع القول عليهم: إقامة الحجة عليهم، ونزول العذاب بهم واستحقاقهم له بسبب ظلمهم وكفرهم.

وبعد هذا التوبيخ لهم وهم في ساحة الحشر، انتقلت السورة إلى توبيخهم على فعلتهم حين كانوا في الدنيا. فتقول: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ، وَالنَّهارَ مُبْصِراً.

أى: أبلغت الغفلة والجهالة بهؤلاء المكذبين- أنهم يعيشون في هذا الكون ليأكلوا ويشربوا ويتمتعوا، دون أن يعتبروا أو يتفكروا.

<<  <  ج: ص:  >  >>