للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أوجدنا لهم ليلا يسكنون فيه، وأوجدنا لهم نهارا يبتغون فيه أرزاقهم، وجعلنا الليل والنهار بهذا المقدار، لتتيسر لهم أسباب الحياة والراحة، فكيف لم يهتدوا إلى أن لهذا الكون خالقا حكيما قادرا؟

إِنَّ فِي ذلِكَ الذي جعلناه، لهم، من وجود الليل والنهار بهذه الطريقة لَآياتٍ بينات واضحات على وحدانيتنا وقدرتنا لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بأن الله- تعالى- هو الخالق لكل شيء وهو الإله الحق لا إله سواه.

وذلك، لأن من تأمل في تعاقب الليل والنهار بتلك الصورة البديعة المطردة، وفي اختلافهما طولا وقصرا، وظلمة وضياء.. أيقن بأن لهذا الكون إلها واحدا قادرا على إعادة الحياة إلى الأموات، ليحاسبهم على أعمالهم.

قال الآلوسى: وقوله: وَالنَّهارَ مُبْصِراً أى: ليبصروا بما فيه من الإضاءة، وطرق التقلب في أمور معاشهم، فبولغ حيث جعل الإبصار الذي هو حال الناس حالا له، ووصفا من أوصافه التي جعل عليها بحيث لم ينفك عنها، ولم يسلك في الليل هذا المسلك. لما أن تأثير ظلام الليل في السكون، ليس بمثابة تأثير ضوء النهار في الإبصار «١» .

وقوله- سبحانه-: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ... معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً والصور، القرن الذي ينفخ فيه نفخة الصّعق والبعث، وذلك يكون عند النفخة الثانية.. والنافخ: إسرافيل- عليه السلام-.

قال القرطبي ما ملخصه: والصحيح في الصور أنه قرن من نور، ينفخ فيه إسرافيل.

والصحيح- أيضا- في النفخ في الصور أنهما نفختان. وأن نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لازمان لهما.. والمراد- هنا النفخة الثانية- أى: يحيون فزعين، يقولون: «من بعثنا من مرقدنا» ويعاينون من الأمر ما يهولهم ويفزعهم: «٢» والمعنى واذكر- أيها العاقل- يوم ينفخ إسرافيل في الصور بإذن الله- تعالى- وأمره فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ أى: خافوا وانزعجوا، وأصابهم الرعب، لشدة ما يسمعون، وهول ما يشاهدون، في هذا اليوم الشديد.

وقوله: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ استثناء ممن يصيبهم الفزع.


(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٢٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>