٥- ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر فضله على موسى- عليه السلام- بعد أن بلغ أشده واستوى، وبعد أن قتل رجلا من أعدائه، وكيف أنه خرج من المدينة خائفا يترقب، قال: رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وقد أجاب الله- تعالى- له دعاءه، فنجاه منهم، ويسر له الوصول إلى جهة مدين، فعاش هناك عشر سنين، أجيرا عند شيخ كبير من أهلها، وتزوج موسى- عليه السلام- بعد انقضاء تلك المدة، بإحدى ابنتي هذا الشيخ الكبير.
٦- ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، أن موسى بعد أن قضى المدة التي تعاقد عليها مع الرجل الصالح، وبعد أن تزوج ابنته، سار بها متجها إلى مصر، وفي الطريق رأى نارا، فلما ذهب إليها، أمره ربه- تعالى- بأن يذهب إلى فرعون وقومه ليأمرهم بإخلاص العبادة له- عز وجل- وذهب موسى- عليه السلام- إليهم، وبلغهم رسالة ربه، ولكنهم كذبوه، فكانت عاقبتهم كما قال- تعالى-: فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ...
٧- وبعد هذا الحديث المفصل عن قصة موسى- عليه السلام- أخذت السورة الكريمة في تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، فذكرت له ما يدل على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى- وأمرته أن يتحدى المشركين به، وبينت له أنه- عليه الصلاة والسلام- لا يستطيع أن يهدى من يحبه ولكن الله هو الذي يهدى من يشاء هدايته، وحكت جانبا من أقوال المشركين وردت عليها، كما حكت جانبا من المصير السيئ الذي سيكونون عليه يوم القيامة، فقال- تعالى-: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ، فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ ...
٨- ثم عادت السورة بعد ذلك للحديث عن قصة تتعلق برجل كان من قوم موسى: وهو قارون، فأخبرتنا بجانب من النعم التي أنعم الله- تعالى- بها عليه، وكيف أنه قابل هذه النعم بالجحود والكنود، دون أن يستمع إلى نصح الناصحين، أو وعظ الواعظين، وكيف أن