الذين يريدون الحياة الدنيا تمنوا أن يكونوا مثله، وكيف أن الذين أوتوا العلم قالوا لهم على سبيل الزجر: وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ وكيف أن الذين يريدون الحياة الدنيا قالوا بعد أن رأوا مصرع قارون: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ...
ثم ختم- سبحانه- هذه القصة، ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف فقال- تعالى-:
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
٩- وبعد أن انتهت السورة الكريمة، عن الحديث المتنوع من قصص السابقين، ومن التعقيبات الحكيمة عليها..
بعد كل ذلك، جاء الأمر من الله- تعالى- بإخلاص العبادة له، والنهى عن الإشراك به فقال- سبحانه- وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
١٠- وبعد، فهذا عرض مجمل لما اشتملت عليه سورة القصص من مقاصد وأهداف، ومن هذا العرض، ترى أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور من أهمها ما يأتى:
(أ) تثبيت المؤمنين، وتقوية عزائمهم، وتبشيرهم بأن العاقبة لهم، وبأن الله- تعالى- سيجعل من ضعفهم قوة، ومن قلتهم كثرة، كما جعل من موسى وقومه أمة منتصرة بعد أن كانت مهزومة، وغالبة بعد أن كانت مغلوبة.
ترى هذه التقوية والبشارة في مثل قوله- تعالى-: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
(ب) أن السورة الكريمة تعطينا صورة زاخرة بالمعاني الكريمة والمؤثرة، عن حياة موسى- عليه السلام- فهي تحكى لنا حالة أمه. وأحاسيسها، وخلجات قلبها، وخوفها، عند ولادته، وبعد ولادته، وبعد إلقائه في اليم، وبعد أن علمت بالتقاط آل فرعون له، وبعد رد الله- تعالى- إليها ابنها، فضلا منه- سبحانه- ورحمة.
كما تحكى لنا ما جبل عليه موسى- عليه السلام- من مروءة عالية جعلته يأبى أن يرى مظلوما فلا ينصره، ومحتاجا فلا يعينه.
فعند ما رأى امرأتين عاجزتين عن سقى غنمهما، قال لهما: ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ، وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقى لَهُما ...