للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يتعرض- سبحانه- هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله- تعالى-: في آخر الآية وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فإنه شامل لكل خير واقع في أى مصرف كان.

قال الجمل و «ذا» اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف، و «ما» على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك، وهي مبتدأ وذا خبره، والجملة محلها النصب بيسألون. والمعنى يسألونك أى الشيء الذي ينفقونه» «١» .

وقوله: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تذييل قصد به الحض على فعل الخير، لأن المؤمن عند ما يشعر بأن الله يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير. وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عند ما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل، فكيف يكون الحال عند ما يعلم المؤمن التقى أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو الله الذي لا تخفى عليه خافية، والذي يعطى من يشاء بغير حساب.

قال بعض العلماء: وقد اختلف في هذه الآية. فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله- تعالى-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... وقيل- وهو الأولى- إنها غير منسوخة، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ» «٢» .

وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ حض لهم على بذل النفس في سبيل إعلاء كلمة الله، بعد أن حضهم في الآية السابقة على بذل المال.

والكره- بضم الكاف- بمعنى الكراهية بدليل قوله- تعالى-: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً.. أى أن القتال لشدة ويلاته، وما فيه من إزهاق الأرواح كأنه الكراهة نفسها فهو من وضع المصدر موضع اسم المفعول مبالغة، وقرئ وهو كره لكم- بفتح الكاف- فيكون فيه معنى الإكراه، لأن الكره بالفتح ما أكرهت عليه. وقيل هما لغتان بمعنى واحد وهو الكراهية.

ويرى كثير من المفسرين أن القتال إنما كان مكروها للنفوس لما فيه من التعرض للجراح وقطع الأطراف، وإزهاق الأرواح والإنسان ميال بطبعه إلى الحياة، وأيضا لما فيه من إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والحيلولة بين المقاتل وبين طمأنينته ونومه وطعامه، فهو مهما يكن أمره فيه ويلات وشدائد، ومشقات تتلوها مشقات، ولكن كون القتال مكروها للنفوس لا ينافي الإيمان ولا يعنى أن المسلمين كرهوا فرضيته، لأن امتثال الأمر قد يتضمن مشقة، ولكن إذا


(١) حاشية الجمل ج ١ ص ١٧٠.
(٢) تفسير آيات الأحكام ج ١ ص ١١٤ لفضيلة الأستاذ محمد على السائس.

<<  <  ج: ص:  >  >>