عرف الثواب هان في جنبه اقتحام المشقات. ولا شك أن القتال في سبيل الله- مع ما فيه من صعاب وشدائد- ستكون عاقبته العزة في الدنيا، والسعادة في الأخرى.
ويرى بعضهم أن كره المسلمين للقتال ليس سببه ما فيه من شدائد ومخاطر وتضحيات بدليل أنهم كانوا يتنافسون خوض غمراته، وإنما السبب في كراهيتهم له هو أن الإسلام قد غرس في نفوسهم رقة ورحمة وسلاما وحبا، وهذه المعاني جعلتهم يحبون مصابرة المشركين ويكرهون قتالهم أملا في هدايتهم، ورجاء في إيمانهم، ولكن الله- تعالى- كتب على المسلمين قتال أعدائهم لأنه يعلم أن المصلحة في ذلك، فاستجاب المؤمنون بصدق وإخلاص لما فرضه عليهم ربهم.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى ظاهر الآية، لأن القتال فريضة شاقة على النفس البشرية، بحسب الطبع والقرآن لا يريد أن ينكر مشقتها، ولا أن يهون من أمرها، ولا أن ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها، ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر، بأن يقرر أن من الفرائض ما هو شاق ولكن وراءه حكمة تهون مشقته، وتسهل صعوبته، وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنسانى القصير. وقد بين القرآن هذه الحكمة في قوله وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.
أى: وعسى أن تكرهوا شيئا كالقتال في سبيل الله- تعالى- وهو خير لكم إذ فيه إحدى الحسنيين: إما الظفر والغنيمة- في الدنيا مع ادخار الجزاء الأخروى وإما الشهادة والجنة، وعسى أن تحبوا شيئا كالقعود عن الجهاد وهو شر لكم في الواقع لما فيه من الذل ووقوعكم تحت طائلة الأعداء.
قال الفخر الرازي: معنى الآية أنه ربما كان الشيء شاقا عليكم في الحال، وهو سبب للمنافع الجليلة في المستقبل، ولأجله حسن شرب الدواء المر في الحال لتوقع حصول الصحة في المستقبل، وترك الجهاد، وإن كان يفيد- أى بحسب ظنكم- في الحال صون النفس عن خطر القتل وصون المال عن الإنفاق ولكن فيه أنواع من المضار منها: أن العدو إذا علم ميلكم إلى الدعة والسكون قصد بلادكم وحاول قتلكم ... والحاصل أن القتال في سبيل الله سبب لحصول الأمن من الأعداء في الدنيا وسبب لحصول الثواب العظيم للمجاهد في الآخرة..» «١» .
وقال القرطبي: والمعنى: عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم