للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونون ثمرة لهذا الزواج، لأنهم يخرجون إلى الحياة وقد رضعوا الميل إلى دين أمهم، ولأن المرأة الكتابية التي تقبل الزواج بالمسلّم كثيرا ما تكون منحرفة في سلوكها وأن الدافع لها إلى هذا الزواج إنما هو المال أو الجمال أو الجاه وليس الدين أو الخلق، لأنه لو كان الدافع ذلك لرضيت بالإسلام دينا، وبآدابه خلقا لها، وما أحكم قول عمر لحذيفة: «لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن» .

هذه خلاصة لآراء العلماء في هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى أقوالهم في مظانها «١» .

والمعنى: أنها كم أيها المؤمنون أن تتزوجوا بالنساء المشركات حتى يؤمن بالله- تعالى- ويذعن لتعاليم الإسلام وآدابه.

وقوله: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ تعليل للنهى، وبيان لفضل المؤمنات على المشركات، ولفضل طهارة النفس على جمال الجسم، والمراد بالأمة هنا الأنثى المملوكة من الرقيق، وبالمشركة الحرة الجميلة بقرينة المقابلة.

أى: ولأنثى رقيقة مؤمنة مع ما بها من الرق وقلة الجاه والجمال خير في التزوج بها من امرأة حرة مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ونسبها وغير ذلك من منافع دنيوية، لأن ما يتعلق بالمنافع الدينية يجب أن يقدم على المنافع الدنيوية، ولأن الزواج ارتباط روحي بين قلبين، ومن العسير أن يتم هذا الترابط بين قلب يخلص لله في عبادته، وقلب لا يدين بذلك.

وصدرت الجملة بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الانزجار، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أتباعه أن يجعلوا الدين أساس رغبتهم في الزواج، فقد أخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» .

وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل» .

والأحاديث النبوية في هذا المعنى كثيرة.

ثم قال- تعالى-: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أى: لا تزوجوا أيها المؤمنون النساء المؤمنات للرجال المشركين حتى يتركوا ما هم عليه من شرك ويدخلوا في دين الإسلام، فإذا فعلوا ذلك حل لكم أن تزوجوهم النساء المسلمات، لأنهم بدخولهم في الإسلام قد أصبحوا إخوانا لكم.


(١) راجع- على سبيل المثال- تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٥٧، وتفسير القرطبي ج ٣ ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>