والنهى هنا يتناول المشرك الذي يعبد الأوثان ويتناول غيره ممن لا يدين بالإسلام كأهل الكتاب، لأن القرآن قد جعل الإيمان غاية للنهى، فإذا لم يكن هناك إيمان من الرجل لم يكن له أن يتزوج من المرأة المؤمنة، لأن الله- تعالى- يقول في آية أخرى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.
فهذه الآية صريحة في أن زواج المسلمة بالكافر لا يجوز، وكلمة كافر تشمل أهل الكتاب بدليل قوله- تعالى-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.. وقوله تعالى ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ.
قال الفخر الرازي: لا خلاف هاهنا في أن المراد به- أى بلفظ المشركين- الكل، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر ألبتة على اختلاف أنواع الكفرة «١» .
وقوله: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بيان لفضل الإيمان على الشرك، كما في قوله- تعالى-: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ إذ نسبة المؤمن أو المؤمنة إلى هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده أفضل وأجل من الانتساب إلى أى شيء آخر.
ثم بين- سبحانه- علة النهى عن الزواج بالمشركين والمشركات فقال- تعالى-: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ.
أى: أولئك المذكورون من المشركين والمشركات يدعون من يقارنهم ويعاشرهم إلى الأقوال والأفعال والعقائد التي تقضى بصاحبها إلى دخول النار في الآخرة والله- تعالى- يدعو عباده على ألسنة رسله إلى الأقوال والأعمال والعقائد التي توصل إلى جنته ومغفرته.
فالمراد بالدعاء إلى النار الدعاء إلى أسبابها وإلى ما يوصل إليها، وكان الاقتران بهؤلاء المشركين والمشركات سببا في الوصول إليها، لأن الزواج من شأنه الألفة والمودة والمحبة وشدة الاتصال، وكل ذلك يجعل المسلّم أو المسلمة يتقبلان ما عليه المشرك أو المشركة من فسوق وعصيان لله- تعالى- بل ربما بمرور الأيام لا يكتفيان بالتقبل بل يستحسنان فعلهما، وبذلك تنحل عرا الإسلام من نفس المسلّم والمسلمة عروة فعروة، حتى لا يبقى منه سوى الاسم، كما نشاهد ذلك في كثير من المسلمين الذين تزوجوا بغير مسلمات.
والمقصود من قوله- تعالى-: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ إغراء المؤمنين بالتمسك بتعاليم