للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى، ذلك الذي شرعناه لك من تفويض الأمر إليك في شأن أزواجك، أقرب إلى رضا نفوسهن لما تصنعه معهن، وأقرب إلى عدم حزنهن وإلى قبولهن لما تفعله معهن، لأنهن يعلمن أن ما تفعله معهن إنما هو بوحي من الله- تعالى- وليس باجتهاد منك، ومتى علمن ذلك طابت نفوسهن سواء سويت بينهن في القسم والبيتوتة والمجامعة ... أم لم تسو.

قال القرطبي: قال قتادة وغيره: أى: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن، إذ كان من عندنا- لا من عندك-، لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين..

وكان- عليه الصلاة والسلام- مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن، تطييبا لقلوبهن ويقول: «اللهم هذه قدرتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» «١» .

وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأزواجه، ويندرج فيه جميع المؤمنين والمؤمنات وجمع بجمع الذكور للتغليب.

أى: والله- تعالى- يعلم ما في قلوبكم من حب وبغض، ومن ميل إلى شيء، ومن عدم الميل إلى شيء آخر.

قال صاحب الكشاف: وفي هذه الجملة وعيد لمن لم ترض منهن بما دبر الله- تعالى- من ذلك، وبعث على تواطؤ قلوبهن والتصافي بينهن، والتوافق على طلب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما فيه طيب نفسه «٢» .

وَكانَ اللَّهُ- تعالى- عَلِيماً بكل ما تظهره القلوب وما تسره حَلِيماً حيث لم يعاجل عباده بالعقوبة قبل الإرشاد والتعليم.

ثم كرم- سبحانه- أمهات المؤمنين بعد تكريمه لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ....

أى: لا يحل لك، - أيها الرسول الكريم- أن تتزوج بنساء أخريات من بعد التسع اللائي في عصمتك اليوم، لأنهن قد اخترنك وآثرنك على زينة الحياة الدنيا، ورضين عن طيب نفس أن يعشن معك وتحت رعايتك، مهما كان في حياتك معهن من شظف العيش، والزهد في متع الدنيا.


(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢١٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>