للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأحناف والحنابلة ومن قبلهم عمر وعلى وابن مسعود وغيرهم يرون أن المراد بالقروء هنا الحيضات والمعنى عندهم: أن المطلقات عليهن أن يمكثن بعد طلاقهن من أزواجهن مدة ثلاث حيضات بدون زواج ثم بعد ذلك لهن أن يتزوجن إن شئن.

ومن أدلتهم: ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فسر القرء بمعنى الحيض فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي عن فاطمة بنت أبى حبيش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «دعى الصلاة أيام أقرائك» «١» .

ولا شك أن المراد بالقرء في هذا الحديث الحيض، لأنه هو الذي لا تصح معه الصلاة.

أما المالكية والشافعية ومن قبلهم عائشة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت والزهري وغيرهم فيرون أن المراد بالقروء هنا الأطهار، أى الأوقات التي تكون بين الحيضتين للنساء.

ومعنى الآية عندهم: أن على المطلقات أن يمكثن بعد طلاقهن من أزواجهن ثلاثة أطهار بدون زواج ثم بعد ذلك يتزوجن إذا شئن.

ومن أدلتهم: أن الله- تعالى- يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وقد بينت السنة النبوية أن الطلاق لا يكون في الحيض، فلا يتصور أن يكون الطلاق في العدة إلا إذا فسرنا القرء بالطهر لا بالحيض. وروى عن عائشة أنها قالت: هل تدرون الأقراء؟ الأقراء الأطهار «٢» .

قال صاحب المنار قال الأستاذ الإمام: والخطب في الخلاف سهل، لأن المقصود من هذا التربص العلم ببراءة الرحم من الزوج السابق، وهو يحصل بثلاث حيض كما يحصل بثلاث أطهار.. ومن النادر أن يستمر الحيض إلى آخر الحمل فكل من القولين موافق لحكمة الشرع في المسألة «٣» .

ثم قال- تعالى-: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ. أى: ولا يحل للنساء المطلقات أن يكتمن أمانة الله التي خلقها في أرحامهن من ولد لكي ينسبنه إلى غير أبيه، أو من حيض أو طهر لكي تطول العدة، ويمتد الإنفاق من الأزواج عليهن. فإن هذا الكتمان كذب على الله، وخيانة للأمانة التي أودعها الله في أحشائهن وأمرهن بالوفاء بها، سيحاسب الله من يفعل ذلك منهن حسابا شديدا، ويعاقبه عقابا أليما.

وقوله: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تحريض لهن على عدم الكتمان وعلى الاخبار


(١) تفسير الآلوسى ج ٢ صفحة ١٣١.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٦ صفحة ٩٤.
(٣) تفسير المنار ج ١ صفحة ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>