وحكى القرآن عن هؤلاء المنافقين أنهم اقتصروا في إظهار الإيمان على ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، ليزيدوا في التمويه على المؤمنين بادعاء أنهم أحاطوا بالإيمان من طرفيه، لأن من يؤمن بالله واليوم الآخر، استجابة لدعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فإن من شأنه أن يكون- أيضا- مؤمنا برسل الله وملائكته وكتبه.
وقد كذبهم الله- تعالى- في دعواهم الإيمان، فقال:
وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.
فهذه الجملة الكريمة رد لما ادعوه من الإيمان، ونفى له على أبلغ وجه، إذ جاء النفي مؤكدا بالباء في قوله بِمُؤْمِنِينَ. ثم ان الجملة نفت عنهم الإيمان على سبيل الإطلاق، فهم ليسوا بمؤمنين لا بالله ولا باليوم الآخر، ولا بكتب الله ولا برسله ولا بملائكته.
ثم بين- سبحانه- الدوافع التي دفعتهم إلى أن يقولوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فقال:
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا.
والخدع في أصل اللغة: الإخفاء والإبهام، يقال خدعه- كمنعه- خدعا، ختله وأراد به مكروها من حيث لا يعلم وأصله من خدع الضب حارسه إذ أظهر الإقبال عليه ثم خرج من باب آخر.
وخداعهم لله- تعالى- معناه إظهارهم الإيمان وإبطانهم الكفر ليحقنوا دماءهم وأموالهم، ويفوزوا بسهم من الغنائم، وسمى فعلهم هذا خداعا لله- تعالى- لأن صورته صورة الخداع، فالجملة الكريمة مسوقة على أسلوب المشاكلة، ولا يجوز حملها على الحقيقة، لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه صنع المنافقين بل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. قال- تعالى- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ.
أما خداعهم للمؤمنين فمن مظاهره إظهارهم لهم أنهم إخوانهم في العقيدة وأنهم لا يريدون لهم إلا الخير. بينما هم في الحقيقة يضمرون لهم العداوة ويتربصون بهم الدوائر.
وجاءت الآية الكريمة هكذا بدون عطف، لأنها جواب سؤال نشأ من الآية السابقة، إذ أن قول المنافقين «آمنا» وما هم بمؤمنين، يثير في نفس السامعين استفهاما عما يدعو هؤلاء لمثل تلك الحال المضطربة والحياة القلقة المقامة على الكذب، فكان الجواب: إنهم يفعلون ذلك محاولين مخادعة المؤمنين، جهلا منهم بصفات خالقهم.