للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: تفضيل أنفسهم على ربهم، حيث جعلوا أوضع الجنسين له، وأرفعهما لهم.

والثالث: أنهم استهانوا بأكرم خلق الله، وأقربهم إليه، حيث أنثوهم. ولو قيل لأقلهم وأدناهم: فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمور، ولا تقلبت حماليقه- أى: أجفان عينيه. «١» .

وقوله- سبحانه-: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ، تقريع آخر لهم على جهالاتهم وسفههم، حيث أضرب- سبحانه- عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه في التبكيت والتأنيب.

أى: إنهم زعموا أن لربك البنات ولهم البنون، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقنا الملائكة حتى يعرفوا أنهم إناث؟ كلا إنهم لم يكونوا حاضرين وإنما هم يهرفون بما لا يعرفون.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ «٢» .

قال صاحب الكشاف فإن قلت: لم قال: وَهُمْ شاهِدُونَ فخص علم المشاهدة؟

قلت: ما هو إلا الاستهزاء بهم وتجهيل.. وذلك لأنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق علمه في قلوبهم، ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر «٣» .

ثم أخبر- سبحانه- عن كذبهم فقال: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ. وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ والإفك: أشنع الكذب وأقبحه. يقال: أفك فلان كضرب وعلم- إفكا وأفكا، إذا كذب كذبا فاحشا.

أى: ألا إن هؤلاء الكافرين. من شدة كذبهم، وشناعة جهلهم ليقولون زورا وبهتانا:

وَلَدَ اللَّهُ أى: اتخذ الله ولدا وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في ذلك كذبا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا.

وافتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح «ألا» لتأكيد قولهم، وأنهم كانوا مصرين على هذا القول الذي لا نهاية لبطلانه.

ثم كرر- سبحانه- توبيخهم وتقريعهم فقال: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ والاصطفاء: الاختيار والانتقاء. والاستفهام للإنكار والنفي، أى: هل اختار الله البنات على


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٣.
(٢) سورة الزخرف الآية ١٩.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>