للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمصالحهم وشهواتهم، أو يتركون ما شرعه الله بتلك الحجة الواهية الساقطة. وأنت ترى هنا أن القرآن قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها ... بينما قال هناك في ختام آية الصوم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها.. «١» وذلك لأن الكلام هنا في شأن الأسرة وما يسودها أحيانا من خلافات، واصطدامات، واضطرابات.. والخشية هنا إنما هي من تعدى هذه الحدود التي حدها الله في أى مرة من مرات هذا الخلاف.. فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة، بينما هناك كان الحديث عن محظورات مشتهاة مستلذة تريدها النفس لترضى شهوتي البطن والفرج، فجاء التحذير من مجرد الاقتراب من هذه الحدود التي حدها الله اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها.

فسبحان من هذا كلامه وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.

ثم بين- سبحانه- أحكام الطلاق المكمل للثلاث، بعد بيانه لأحكام الطلاق الرجعى وأحكام الخلع فقال- تعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.

أى: فإن طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة بعد الطلقتين اللتين أباح الله له مراجعتها بعد كل منهما في أثناء العدة، فإنه في هذه الحالة تكون زوجته محرمة عليه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا صحيحا، بأن يدخل بها، ويباشرها مباشرة شرعية كما يباشر الأزواج زوجاتهم.

فالمراد بالنكاح في قوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ الزواج بشخص آخر يدخل بها دخولا صحيحا. ويؤيد هذا المعنى ويؤكده ما جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وغيره عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقى. وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإن ما معه مثل الهدبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟

لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» «٢» .

وواضح من ذوق العسيلة أن يدخل بها ويجامعها. وعلى هذا انعقد إجماع الفقهاء. ولم يلتفتوا إلى ما نسبه بعضهم إلى سعيد بن المسيب من أنه أجاز للمرأة أن تعود إلى زوجها الأول بعد عقد زواجها على الثاني دون أن يدخل بها. وحملوا هذا المنسوب إلى سعيد بن المسيب على أنه من شواذ الفتيا التي لا وزن لها لمخالفتها لنص حديث صحيح لعله لم يبلغه.


(١) الآية ١٨٧ من هذه السورة.
(٢) صحيح البخاري في كتاب الطلاق الثلاث ج ٧ ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>