للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال- تعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أى: فإن طلق الزوج الثاني تلك المرأة التي سبق طلاقها من الزوج الأول، فلا إثم عليها وعلى زوجها الأول في أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد بعد انقضاء العدة ما داما يغلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله، ويؤدى كل واحد منهما ما يجب عليه نحو صاحبه بأمانة وإخلاص.

وقوله: أَنْ يَتَراجَعا في موضع جر بإضمار حرف الجر أى في أن يتراجعا وقوله أَنْ يُقِيما في موضع نصب على أنه سد مسد مفعولي ظن.

قال صاحب الكشاف: ولم يقل: إن علما أنهما يقيمان حدود الله لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله. ومن فسر الظن ها هنا بالعلم فقدوهم ولأن الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا» «١» .

ثم ختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

أى: وتلك الأحكام المذكورة عن الطلاق وعن غيره مما كلف الله به عباده يبينها ويوضحها بتلك الطرق الحكيمة لقوم يعلمون الحق، ويعملون بمقتضى علمهم.

وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد بينت أنه لا يحل للمرأة التي طلقت من زوجها أن تعود إليه بعد الطلقة الثالثة إلا بعد أن تتزوج آخر زواجا صحيحا يدخل بها فيه ويجامعها ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه.

ومن حكم هذا التشريع الحكيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق زوجاتهم، وزجرهم عن التساهل في إيقاع الطلاق، فإن الرجل الشريف الطبع، العزيز النفس إذا علم أن زوجته لن تحل له بعد الطلقة الثالثة إلا إذا افترشها شخص آخر توقف عن إيقاع الطلاق، وتباعد عن التسرع والاندفاع وحاول أن يصلح ما بينه وبين أهله بالمعالجة الحكيمة التي تتميز بسعة الصدر وضبط النفس.

هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير سبعة أحاديث في النهى عن نكاح المحلل- وهو أن يعقد رجل على امرأة قد طلقت ثلاثا من زوجها بقصد إحلالها لهذا الزوج لا بقصد الزواج الدائم ثم يدخل بها دخولا صوريا وليس شرعيا- ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله» .


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٢٧٦ بتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>