وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ألا أخبركم بالتيس المستعار» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له» .
وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن نكاح المحلل فقال: لا إلا نكاح رغبة- لا نكاح دلسة أى لا نكاح غش وتدليس- ولا استهزاء بكتاب الله- ثم يذوق عسيلتها..» .
وجاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه- أى من غير مشورة ورغبة منه- ليحلها لأخيه فهل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة.
كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ثم قال ابن كثير: والمقصود أن الزوج الثاني يكون راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج. واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحا فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض.. لم تحل للأول بهذا الوطء والمراد بالعسيلة الجماع لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن العسيلة الجماع» «١» .
وبعد أن بين- سبحانه- في الآية السابقة أن الزوج مخير بين الإمساك والتسريح في مدة العدة، عقب ذلك ببيان أن هذا التخيير من حقه حتى آخر وقت في العدة، وذلك لتذكيره بأن الإمساك أفضل من التسريح، وأن عليه ألا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدت طرق الإصلاح والمعالجة، وأنه إذا اختار الطلاق فعليه أن يسلك فيه طريق الحق والعدل لا طريق الباطل والجور.
قال- تعالى-: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.
قال الراغب: الأجل: المدة المضروبة للشيء. قال- تعالى- لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى..
- أى مدة معينة- والبلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدرة، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم يننه. فمن الانتهاء قوله- تعالى-:
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.. وأما قوله: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فللمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها» .
والمراد بالأجل هنا عدة المرأة. وببلوغها قرب انتهائها.
والضرار- كما يقول الرازي- هو المضارة. قال- تعالى-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٧٨.