نفسه لاستقبال هذه الأقوال الباطلة بصبر وسعة صدر حتى يحكم الله- تعالى- بحكمه العادل، بينه وبينهم.
وقوله- تعالى-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ معطوف على جملة «اصبر» ..
وداود- عليه السلام-: هو ابن يسى من سبط «يهوذا» بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وكانت ولادة داود في حوالى القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وقد منحه الله- تعالى- النبوة والملك.
وقوله- تعالى-: ذَا الْأَيْدِ صفة لداود، والأيد: القوة. يقال: آد الرجل يئيد أيدا وإيادا، إذا قوى واشتد عوده، فهو أيّد. ومنه قولهم في الدعاء: أيدك الله. أى: قواك وأَوَّابٌ صيغة مبالغة من آب إذا رجع.
أى: اصبر- أيها الرسول الكريم- على أذى قومك حتى يحكم الله بينك وبينهم واذكر- لتزداد ثباتا وثقة- قصة وحال عبدنا داود، صاحب القوة الشديدة في عبادتنا وطاعتنا وفي دحر أعدائنا.. إِنَّهُ أَوَّابٌ أى: كثير الرجوع إلى ما يرضينا.
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله ونعمه على عبده داود- عليه السلام- فقال:
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ، يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ....
والعشى: الوقت الذي يكون من الزوال إلى الغروب أو إلى الصباح. والإشراق: وقت إشراق الشمس، أى: سطوعها وصفاء ضوئها، قالوا: وهو وقت الضحى..
فالإشراق غير الشروق، لأن الشروق هو وقت طلوع الشمس. وهو يسبق الإشراق أى: إن من مظاهر فضلنا على عبدنا داود، أننا سخرنا وذللنا الجبال معه، بأن جعلناها بقدرتنا تقتدى به فتسبح بتسبيحه في أوقات العشى والإشراق.
وقال- سبحانه- مَعَهُ للإشعار بأن تسبيحها كان سبيل الاقتداء به في ذلك.
أى: أنها إذا سمعته يسبح الله- تعالى- ويقدسه وينزهه، رددت معه ما يقوله.
وهذا التسبيح من الجبال لله- تعالى- إنما هو على سبيل الحقيقة ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو- عز وجل- بدليل قوله- سبحانه-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً «١» .
(١) سورة الإسراء الآية ٤٤.