للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشفيع: من الشفع، بمعنى الانضمام، يقال شفع فلان لفلان إذا انضم إليه ليدافع عنه.

أى: ليس للظالمين في هذا اليوم قريب أو محب يعطف عليهم، ولا شفيع يطيعهم في الشفاعة لهم، لأنهم في هذا اليوم يكونون محل غضب الجميع ونقمتهم، بسبب ظلمهم وإصرارهم على كفرهم.

فالآية الكريمة نفت عنهم الصديق الذي يهتم بأمرهم، والشفيع الذي يشفع لهم، والإنسان الذي تكون له أية كلمة تسمع في شأنهم.

ثم أكد- سبحانه- شمول علمه لكل شيء فقال: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ.

والمراد بخائنة الأعين: النظرة الخائنة التي يتسلل بها المتسلل ليطلع على ما حرم الله الاطلاع عليه.

والجملة خبر لمبتدأ محذوف. والإضافة في قوله خائِنَةَ الْأَعْيُنِ على معنى من، وخائنة:

نعت لمصدر محذوف.

أى: هو- سبحانه- يعلم النظرة الخائنة من الأعين، وهي التي يوجهها صاحبها في تسلل وخفية إلى محارم الله- تعالى- كما يعلم- سبحانه- الأشياء التي يخفيها الناس في صدورهم، وسيجازيهم على ذلك في هذا اليوم بما يستحقون.

قال القرطبي: ولما جيء بعبد الله بن أبى سرح إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة، وطلب له الأمان عثمان بن عفان، صمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم طويلا، ثم قال:

«نعم» .

فلما انصرف قال صلّى الله عليه وسلم لمن حوله: «ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه» .

فقال رجل من الأنصار: فهلا اومأت إلى يا رسول الله؟ فقال: «إن النبي لا تكون له خائنة أعين» «١» .

ثم بين- سبحانه- أن القضاء الحق في هذا اليوم مرده إليه وحده فقال: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ....

أى: والله- تعالى- يقضى بين عباده قضاء ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ.. أى: والآلهة الذين يعبدهم الكفار من


(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٣٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>