للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاعة التامة لك، والقول المعروف أمامك.. لأن ذلك يحملهم متى أخلصوا قلوبهم لله- تعالى- على الإقلاع عن النفاق.

ولعل هذا القول الأخير هو أقرب الأقوال إلى سياق الآيات، لأن فيه إرشادا لهم إلى ما يحميهم من تلك الأخلاق المرذولة التي على رأسها الخداع والجبن والخور.

وقوله: فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ متعلق بما قبله.

أى: أولى لهم الطاعة والقول المعروف، وأولى لهم وأجدر بهم إذا جد الجد، ووجب القتال، أن يخلصوا لله- تعالى- نياتهم، فإنهم لو صدقوا الله في إيمانهم، لكان صدقهم خيرا لهم، من تلك المسالك الخبيثة التي سلكوها مع نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.

قال الشوكانى: قوله فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ عزم الأمر أى جد الأمر والقتال ووجب وفرض.

وأسند العزم إلى الأمر وهو لأصحابه على سبيل المجاز. وجواب فَإِذا قيل هو فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ وقيل محذوف والتقدير: كرهوه أى: إذا جد الأمر ولزم القتال خالفوا وتخلفوا «١» .

ثم بين- سبحانه- ما هو متوقع منهم، ووجه الخطاب إليهم على سبيل الالتفات ليكون أزجر لهم، فقال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ.

قال الفخر الرازي ما ملخصه: وهذه الآية فيها إشارة إلى فساد قول قالوه، وهو أنهم كانوا يقولون: كيف نقاتل العرب وهم من ذوى أرحامنا وقبائلنا.

والاستفهام للتقرير المؤكد، وعسى للتوقع، وفي قوله إِنْ تَوَلَّيْتُمْ وجهان: أحدهما:

أنه من الولاية، يعنى: فهل يتوقع منكم- أيها المنافقون- إن أخذتم الولاية وسار الناس بأمركم، إلا الإفساد في الأرض وقطع الأرحام؟

وثانيهما: أنه من التولي بمعنى الإعراض وهذا أنسب- أى: إن كنتم تتركون القتال، وتقولون فيه الإفساد وقطع الأرحام، لكون الكفار أقاربنا، فإن في هذه الحالة لا يتوقع منكم إلا الإفساد وقطع الأرحام كما كان حالكم في الجاهلية «٢» .

وعلى كلا القولين فالمقصود من الآية توبيخهم على جبنهم وكراهتهم لما يأمرهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم من الجهاد في سبيل الله- تعالى-، وتقريعهم على أعذارهم الباطلة، ببيان


(١) تفسير الشوكانى ج ٥ ص ٣٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٥٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>