للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم لو أعرضوا عن القتال وخالفوا تعاليم الإسلام فلن يكون منهم إلا الإفساد وقطع الأرحام، وكذلك سيكون حالهم لو تولوا أمور الناس، وكانوا حكاما لهم.

وقوله: أَنْ تُفْسِدُوا.. خبر عسى، وقوله: إِنْ تَوَلَّيْتُمْ.. جملة معترضة، وجواب إِنْ محذوف لدلالة قوله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ.. عليه.

أى: ما يتوقع منكم إلا الإفساد وقطع الأرحام، إن أعرضتم عن تعاليم الإسلام، أو إن توليتم أمور الناس، فاحذروا أن يكون منكم هذا التولي الذي سيفضى بكم إلى سوء المصير، الذي بينه- سبحانه- في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أى: طردهم من رحمته فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ بأن جعلهم بسبب إعراضهم عن الحق- كالصم الذين لا يسمعون، وكالعمى الذين لا يبصرون، لأنهم حين عطلوا أسماعهم وأبصارهم عن التدبر والتفكر صاروا بمنزلة الفاقدين لتلك الحواس.

ثم ساق- سبحانه- ما يدعو إلى التعجيب من حالهم فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.. والفاء للعطف على جملة محذوفة، والاستفهام للإنكار والزجر. أى: أيعرضون عن كتاب الله- تعالى- فلا يتدبرونه مع أنه زاخر بالمواعظ والزواجر والأوامر والنواهي.

أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها، أى، بل على قلوب هؤلاء المنافقين أقفالها التي حالت بينهم وبين التدبر والتفكر. والأقفال: جمع قفل- بضم فسكون- وهو الآلة التي تقفل بها الأبواب وما يشبهها، والمراد: التسجيل عليهم بأن قلوبهم مغلقة، لا يدخلها الإيمان، ولا يخرج منها الكفر والنفاق.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم نكرت القلوب وأضيفت الأقفال إليها؟

قلت: أما التنكير ففيه وجهان: أن يراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك. أو يراد على بعض القلوب وهي قلوب المنافقين. وأما إضافة الأقفال، فلأنه يريد الأقفال المختصة بها، وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح «١» .

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً «٢» .

وقد أخذ العلماء من هذه الآية وأمثالها، وجوب التدبر والتفكر في آيات القرآن الكريم، والعمل بما فيها من هدايات وإرشادات، وأوامر ونواه، وآداب وأحكام، لأن عدم الامتثال


(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٢٦.
(٢) سورة النساء الآية ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>