٤- وخرج صلّى الله عليه وسلّم ومعه حوالى أربعمائة وألف من أصحابه، ليس معهم من السلاح سوى السيوف في أغمادها، وساقوا معهم الهدى الذي يتقربون بذبحه إلى الله- تعالى- ليكون دليلا على أنهم لا يريدون حرب قريش، وإنما يريدون الطواف بالبيت الحرام.
وسار صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى مكة، فلما وصل إلى «عسفان» وهو مكان بين مكة والمدينة- جاءه بشر بن سفيان الكعبي وكان مكلفا من قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم لمعرفة أخبار قريش فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل- أى:
ومعهم الإبل التي لم تلد، والإبل التي ولدت، قد لبسوا جلود النمور- أى: قد استعدوا لقتالك وقد نزلوا بذي طوى- وهو مكان بالقرب من مكة-، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا..
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا ويح قريش!! لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابونى كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرنى الله عليهم، دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به، حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» أى أو أن أقتل في سبيل الله.
ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها» ؟.
فقال رجل من قبيلة أسلم: أنا يا رسول الله، فسلك بهم طريقا وعرا، انتهى بهم إلى «الحديبية» وهي قرية على بعد مرحلة من مكة، أو هي بئر سمى المكان بها.
٥- وفي هذا المكان بركت القصواء- وهي الناقة التي كان يركبها النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال الناس: خلأت الناقة أى: حرنت وأبت المشي-، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت وما هو لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة. لا تدعوني قريش إلى خطة يسألوننى فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها» .
ثم أمر صلّى الله عليه وسلّم الناس بالنزول في هذا المكان..
٦- وعلمت قريش بنزول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في الحديبية، فبدءوا يرسلون رسلهم لمعرفة الأسباب التي حملت المسلمين إلى المجيء إليهم.
وكان من بين الرسل بديل بن ورقاء الخزاعي.. فلما سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن سبب مجيئه إلى مكة، أخبره أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت الحرام، ومعظما لحرمته..
وعاد بديل إلى مكة، وأخبر المشركين بما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولكنهم لم يقتنعوا، وقالوا: وإن كان جاء ولا يريد قتالا. والله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ...