ثم بين- سبحانه- جانبا آخر من مظاهر فضله على عباده المؤمنين فقال: وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. أى: وأمددنا هؤلاء المؤمنين- على سبيل الزيادة عما عندهم بفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وبلحم لذيذ تشتهيه نفوسهم.
يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً أى: يتجاذبون على سبيل المداعبة، ويتعاطون على سبيل التكريم، الأوانى المملوءة بالخمر التي هي لذة للشاربين.
لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ أى: لا يصدر منهم في أعقاب شربهم لتلك الخمر، ما جرت به العادة في أعقاب شرب خمر الدنيا، من أن الشارب لها يصدر منه كلام ساقط لا خير فيه، ويأتى من الأقوال والأفعال ما يعاقب عليه. ويرتكب الإثم بسببه.
قال صاحب الكشاف: لا لَغْوٌ فِيها أى: في شربها وَلا تَأْثِيمٌ أى:
لا يتكلمون في أثناء الشرب بسقط الحديث، وما لا طائل تحته، كفعل المتنادمين في الدنيا على الشراب في سفههم وعربدتهم، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله، أى: ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش، وإنما يتكلمون بالحكم وبالكلام الحسن متلذذين بذلك، لأن عقولهم ثابتة غير زائلة وهم حكماء علماء «١» .
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ أى: ويطوف عليهم بتلك الكئوس المليئة بالخمر، غلمان لهم، لكي يكونوا في خدمتهم.
كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ أى: كأن هؤلاء الغلمان في صفائهم ونقائهم، لؤلؤ مصون ومحفوظ في صدفه لم تنله الأيدى.
يقال: كننت الشيء كنّا وكنونا، إذا جعلته في كنّ، وسترته عن الأعين.
ثم حكى- سبحانه- تساؤلهم وهم في الجنة، فقال: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ أى: وأقبل بعضهم على بعض وهم في الجنة، يسأل أحدهم الآخر عن أحواله وعن أعماله، وعن حسن عاقبته.
قالُوا أى: قال كل مسئول لسائله: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ أى: إنا كنا في الدنيا ونحن نعيش بين أهلنا خائفين من أهوال يوم القيامة، وكنا نقدم العمل الصالح الذي نرجو أن ننال بسببه رضا ربنا: فقبل- تعالى- بفضله منا هذا العمل فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا أى فتكرم علينا بمغفرته ورضوانه.