للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم أقل من بعض في الأعمال- فضلا منا وكرما.

قال الإمام ابن كثير: يخبر- تعالى- عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه:

أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذاك من عمله ومنزلته. للتساوى بينه وبين ذاك. ولهذا قال:

أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ.

عن ابن عباس قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، ثم قرأ هذه الآية.

وفي رواية أخرى عنه قال- عند ما سئل عن هذه الآية-: هم ذرية المؤمنين يموتون على الإيمان، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئا «١» .

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى تنكير الإيمان؟ قلت: معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة، ويجوز أن يراد: إيمان الذرية الداني المحل، كأنه قال: بشيء من الإيمان، لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم «٢» .

قال الجمل: والذرية هنا تصدق على الآباء والأبناء، فإن المؤمن إذا كان عمله الصالح أكثر ألحق به من هو دونه في العمل أبا كان أو ابنا، وهذا منقول عن ابن عباس وغيره.

وعن ابن عباس- أيضا- يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده، فيقال: إنهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: يا رب إنى عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به» «٣» .

وقوله: كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ أى: كل إنسان مرهون بعمله عند الله- تعالى- فإن كان عمله صالحا سعد وفاز، وأطلق نفسه من كل ما يسوؤها ويحزنها، وإن كان غير ذلك جوزي على حسب عمله وسعيه.

والتعبير بقوله رَهِينٌ للإشعار بأن كل إنسان مرتهن بعمله، حتى لكأن العمل بمنزلة الدّين، وأن الإنسان لا يستطيع الفكاك منه إلا بعد أدائه.


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٠٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٤١١.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>