للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسقوطه، ويكون «إذا» اسم زمان مجردا عن معنى الظرفية، في محل جر بحرف القسم.. «١» .

وقال- سبحانه-: صاحِبُكُمْ للإشارة إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم لهم، طوال أربعين سنة قبل البعثة، وأنهم في تلك المدة الطويلة لم يشاهدوا منه إلا الصدق، والأمانة، والعقل الراجح، والقول السديد.. وأنهم لم يخف عليهم حاله بل كانوا مصاحبين له، ومطلعين على سلوكه بينهم، فقولهم بعد بعثته صلى الله عليه وسلم إنه ساحر أو مجنون.. هو نوع من كذبهم البين، وجهلهم المطبق..

وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى استئناف بيانى مؤكد لما قبله.

والضمير «هو» يعود إلى المنطوق به، المفهوم من قوله- تعالى-: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. أى: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يصدر نطقه فيما يأتيكم به عن هوى نفسه ورأيه، وإنما الذي ينطق به، هو وحى من الله- تعالى- أوحاه إليه على سبيل الحقيقة التي لا يحوم حولها شك أو ريب.

ومتعلق «يوحى» محذوف للعلم به. أى: ما هذا الذي ينطق به إلا وحى أوحاه- سبحانه- إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام ابن كثير: قوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أى: إنما يقول ما أمر بتبليغه إلى الناس كاملا موفورا من غير زيادة ولا نقصان ... فعن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه. فنهتنى قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك له، فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده، ما خرج منى إلا الحق» .

وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أقول إلا حقا» فقال بعض أصحابه:

فإنك تداعبنا يا رسول الله؟ قال: «إنى لا أقول إلا حقا» «٢» .

وقال صاحب الكشاف: ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويجاب بأن الله- تعالى- إذا سوغ لهم الاجتهاد، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا لا نطقا عن الهوى «٣» .


(١) تفسير التحرير والتنوير ج ٢٧ ص ٩٠ للشيخ محمد الطاهر بن عاشور. [.....]
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٤٧.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>