للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.

أى: وإذا جاء هؤلاء المنافقون واليهود إلى مجلسك- أيها الرسول الكريم- ألقوا إليك بتحية، هذه التحية لم يأذن بها الله- تعالى- ولم يخاطبك بها.

وقد كان المنافقون عند ما يدخلون على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقولون له كلمة: «السلام عليكم» - وهي تحية الإسلام، إنما يقولون له: أنعم صباحا أو مساء.. متجنبين النطق بتحية الإسلام، ومستعملين تحية الجاهلية.

روى الشيخان عن عائشة: أن ناسا من اليهود، دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام- أى: الموت- عليك يا أبا القاسم. فقال صلى الله عليه وسلم «وعليكم» .

قالت عائشة: وقلت: عليكم السام ولعنكم الله وغضب عليكم.

فقال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش والمتفحش.

فقلت: ألا تسمعهم يقولون: السام؟ فقال صلى الله عليه وسلم «أو سمعت قولي: عليكم» فأنزل الله- تعالى- وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ «١» .

ثم بين- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة فقال: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ.

والمراد بأنفسهم هنا: أى فيما بينهم وفي مجامعهم، أو فيما بينهم وبين أنفسهم.

أى: إذا جاءك هؤلاء المنافقون ومن على شاكلتهم في الضلال، نطقوا أمامك بتحية لم يحيك بها الله- تعالى- ولا يكتفون بذلك، بل يقولون فيما بينهم على سبيل التباهي والجحود للحق لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ أى: هلا يعذبنا الله بسبب ما قلناه لو كان محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من عنده- تعالى- أى: أنهم ينكرون نبوته صلى الله عليه وسلم لأنها- في زعمهم لو كانت حقا، لعذبهم الله- تعالى- بسبب إساءتهم إليه، وإعراضهم عن نهيه لهم.

وقد رد الله- تعالى- عليهم بما يكبتهم، وبما يسلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

أى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لمسالك هؤلاء المنافقين معك ومع أصحابك، فإن هؤلاء المنافقين ومن لف لفهم، كافيهم من العذاب جهنم يصلونها ويقاسون حرها، فبئس المصير جهنم لو كانوا يعلمون.


(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>