وعبر- سبحانه- بالاتخاذ الذي هو افتعال من الأخذ، للمبالغة في نهيهم عن موالاة هؤلاء الأعداء، إذ الاتخاذ يشعر بشدة الملابسة والملازمة.
والمفعول الأول لقوله تَتَّخِذُوا قوله: عَدُوِّي والمفعول الثاني قوله:
أَوْلِياءَ.
وقوله- سبحانه-: تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ تفسير وتوضيح لهذه المولاة التي نهوا عنها أو في موضع الحال من ضمير لا تَتَّخِذُوا.
وحقيقة الإلقاء: قذف ما في اليد على الأرض أو في الفضاء، والمراد به هنا: إيصال ما يدخل السرور على قلوب أعدائهم. والباء في قوله: بِالْمَوَدَّةِ لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله.
أى: احذروا أن تعاملوا أعدائى وأعداءكم معاملة الأصدقاء والحلفاء، بأن تظهروا لهم المودة والمحبة.
ويصح أن تكون الباء للسببية فيكون المعنى: تلقون إليهم بأخباركم التي لا يجوز لكم إظهارها لهم، بسبب مودتكم لهم.
وقد ذكروا أن حاطبا أرسل بهذه الرسالة إلى أهل مكة، عند ما تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للذهاب إليها لأجل العمرة عام الحديبية، أو لأجل فتح مكة.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: تُلْقُونَ بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يتعلق بقوله:
لا تَتَّخِذُوا حالا من ضميره.. ويجوز أن يكون استئنافا.
والإلقاء: عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم يقال: ألقى إليه خراشى صدره- أى أسرار صدره- وأفضى إليه بقشوره.
والباء في بِالْمَوَدَّةِ إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها في قوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف، ومعناه: تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم «١» .
ثم ساق- سبحانه- الأسباب التي من شأنها تحمل المؤمنين على عدم موالاة أعداء الله وأعدائهم، فقال: وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ أى: لا تتخذوا- أيها المؤمنون- هؤلاء الأعداء أولياء، وتلقون إليهم بالمودة، والحال أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بما جاءكم
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥١٢.