للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الجملة الكريمة في موضع الحال من قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ ... و «إن» في قوله وَإِنْ كانُوا ... مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف..

أى: هو- سبحانه- بفضله وكرمه، الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وحالهم أنهم كانوا قبل إرسال هذا الرسول الكريم فيهم، في ضلال واضح لا يخفى أمره على عاقل، ولا يلتبس قبحه على ذي ذوق سليم. وحقا لقد كان الناس قبل أن يبزغ نور الإسلام، الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه، في ضلال واضح، وظلام دامس، من حيث العقائد والعبادات، والأخلاق والمعاملات..

فكان من رحمة الله- تعالى- بهم، أن أرسل فيهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لكي يخرجهم من ظلمات الكفر والفسوق والعصيان، إلى نور الهداية والاستقامة والإيمان.

ثم بين- سبحانه- أن رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون نفعها مقصورا على المعاصرين له والذين شاهدوه ... بل سيعم نفعها من سيجيئون من بعدهم، فقال- تعالى-:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ....

وقوله: وَآخَرِينَ جمع آخر بمعنى الغير، والجملة معطوفة على قوله قبل ذلك فِي الْأُمِّيِّينَ ... فيكون المعنى:

هو- سبحانه- الذي بعث في الأميين رسولا منهم، كما بعثه في آخرين منهم.

لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أى: لم يجيئوا بعد، وهم كل من يأتى بعد الصحابة من أهل الإسلام إلى يوم القيامة، بدليل قوله- تعالى-: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... «١» .

أى: وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به جميع من بلغه هذا الكتاب، ووصلت إليه دعوته من العرب وغيرهم إلى يوم القيامة ...

وفي الحديث الشريف: «بلغوا عن الله- تعالى- فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله» .

وعن محمد بن كعب قال: من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ... «٢» .

ويصح أن يكون قوله: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ... معطوف على الضمير المنصوب في قوله: وَيُعَلِّمُهُمُ ... فيكون المعنى:


(١) سورة الأنعام الآية ١٩.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة الأنعام ص ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>