هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويعلم آخرين منهم لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ أى: لم يجيئوا بعد وسيجيئون ... وهم كل من آمن بالرسول من بعد الصحابة إلى يوم القيامة.
قال صاحب الكشاف: وقوله: وَآخَرِينَ مجرور عطف على الأميين يعنى: أنه بعثه في الأميين الذين على عهده، وفي آخرين من الأميين الذين لم يلحقوا بهم بعد، وسيلحقون بهم، وهم الذين بعد الصحابة.
وقيل: لما نزلت قيل: من هم يا رسول الله، فوضع يده على سلمان ثم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من هؤلاء» .
وقيل: هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم القيامة.
ويجوز أن ينتصب عطفا على المنصوب في وَيُعَلِّمُهُمُ أى يعلمهم ويعلم آخرين، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندا إلى أوله، فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه.. «١» .
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها تشير إلى أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ستبلغ غير المعاصرين له صلى الله عليه وسلم وأنهم سيتبعونها، ويؤمنون بها، ويدافعون عنها..
وهذا ما أيده الواقع، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا من العرب ومن غير العرب، ومن أهل المشارق والمغارب..
فالآية الكريمة تخبر عن معجزة من معجزات القرآن الكريم، ألا وهي الإخبار عن أمور مستقبلة أيدها الواقع المشاهد.
وقوله- تعالى-: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تذييل المقصود به بيان أن قدرته- تعالى- لا يعجزها شيء، وأن حكمته هي أسمى الحكم وأسداها.
أى: وهو- سبحانه- العزيز الذي لا يغلب قدرته شيء، الحكيم فيما يريده ويقدره ويوجده.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ... يعود إلى ما تقدم ذكره من كرمه- تعالى- على عباده، حيث اختص رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الجامعة لكل خير وبركة، وحيث وفق من وفق من الأميين وغيرهم، إلى اتباع هذا الرسول الكريم..
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٣٠.